إضاءة

أما آن لهذا العبث أن يتوقف؟!

 

مسعود الحمداني

أثار مقال الأسبوع الماضي المعنون بـ (نعم.. نحن دولة غامضة) الكثير من ردود الأفعال، بين مؤيد، ومعارض، وناقم، و(شاتم)، ربما لأنّه وضع الجمر على الجرح، وتحدّث (بفجاجة) عمّا فاضت به صدور الكثيرين، أو لعله تكلّم بلسان مواطن رأى أنّ الأقربين هم من يبخسون وطنه حقه، ويكيلون له التهم ويضعون عليه أوزارهم، ووزر كل مشروع فاشل يطرحونه، ويعلقون عليه إحباطاتهم، حين يطرحون مشاريعهم (الوقتية) فإذا انقضى الغرض منه، هدموه، وذهبوا إلى غيره، ولم يكن في المقال سوى بعض الحقائق التي يحق لعُمان أن تفخر بها، ولا تحزن من نكران، وعدم فهم جيرانها لسياستها، واستقلاليتها.

***

هناك الكثير من الإخوة اليمنيين الذين أرسلوا لي على البريد الإلكتروني تأييدهم، وغصّتهم مما يجري في بلدهم، ومدى الدمار الذي لحق بوطنهم، والنار التي تحيط بهم من كل صوب، فمن جهة يقف (انقلابيون) غير شرعيين بمدافعهم وعنادهم، ومن الجهة الأخرى يتلقى الأبرياء ضربات نيران (شقيقة) لا تفرّق بين أخضر ويابس، أو بين طفلٍ وجندي، والأنكى من ذلك أنه ليس لتلك الحرب المستعرة من بصيص نهاية، والضحية في كل الأحوال شعب يمني جارٍ بحكم القربى و(الجنب)، ولو أنّ الحرب وضعت أوزارها، فإن الأموال التي ستعيد بناء اليمن ـ إذا هي صدقت ـ كفيلة بإغراق ميزانية (قوى الحرب) ـ التي بدأت تترنح فعلا ـ في لجج مظلمة، وبالطبع ستطول فترة (خطة مارشال) للإعمار إلى سنوات ضوئية، وستُقطّر تلك المساعدات طبقا للمواقف السياسية، ومدى التبعية والتنازلات اليمنية التي يمكن تقديمها للطرف (الدافع)، وبعد كل هذا السيناريو المدمر لكل الأطراف ستبقى حقيقة واحدة ثابتة على الأرض هي: أنّ الشعب اليمني بكل مكوّناته سيظل موجودًا في وطنه، وسيعود (الجيران) إلى منازلهم، وسيبقى الوضع على ما هو عليه حتى حين، وكأنك (يا أبو زيد ما غزيت)!!.

 

***

المنطق والعقل السياسي الناضج لكل دولة يقومان على أساس: الحفاظ على مصالح الوطن والمواطن ثابتة، ومستمرة، ومستقرة، وبينما يقوم العالم كله على هذا المبدأ، تقوم السياسات العربية على الأنانية المفرطة، والحساسية ضد كل جار، ولكي تتعرف على هذه الحقيقة، وكم نحن العرب (عدائيين) ضد بعضنا، القِ نظرة على خارطة الوطن العربي، و(استخرج) دولتين ليس بينهما مشاكل حدودية خامدة كجمر تحت الرماد، إنك حتما لن تجد دولة ليس بينها وبين جاراتها نزاعا تاريخيا مزمنا ما عدا (سلطنة عمان) التي رسّمت حدودها، ولم يعد بينها وبين أحد خصومة على الأرض!!..

***

عمان ليست سويسرا كما يراها البعض، ولا تعيش بمعزل عن العالم، وتقلباته، ولكنها دولة عرفت مصالحها القومية، واستطاعت أن توازن في علاقاتها مع الجيران، وكانت مواقفها ثابتة، وراسخة ومستقلة منذ السبعين، ووقفت وحدها في أحيان كثيرة كالطود العظيم حين كان القرار العربي مرهونا للعاطفة، والمزايدات السياسية، وأثبتت مواقفها المعلنة والصريحة والواضحة أنها كانت على حق، بينما تراجعت معظم الدول العربية عن مواقفها الانفعالية، ورغم ذلك لم تستفد تلك الدول من دروس وعبر السياسة، ولم تنضج سياساتها حتى اليوم.

***

إن هذه الفترة هي فترة التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية العالمية؛ وعلى دول الخليج العربية مجتمعة أن تعي متطلبات شعوبها، وأن تعمل كمنظومة واحدة تقوم على الاحترام المتبادل والندية التكاملية في ما بينها، وأن تعمل على لملمة صفوفها، وتمكين اقتصادها، والاعتماد على ذاتها، وتغليب المصلحة القومية، وأن تنهي هذا العبث المدمر لاقتصادها، واستعداء جيرانها، وأن تكف عن هذه التدخلات العسكرية واللجوء إلى الحلول العنيفة والتي تستنزف ميزانياتها، وترمي أجيالها القادمة في أحضان المجهول الذي لا يعلم مستقرّه إلا الله.

 

Samawat2004@live.com