جمعية المتقاعدين.. حان الوقت

 

هلال بن سالم الزيدي

لقد بات من الضروري جداً أن ترى جمعية المُتقاعدين العُمانيين النور، نظرًا لما تُمثله هذه الفئة في المجتمع من أهمية قصوى كونها تحوي على الخبرات التي أعطت وثابرت حتى تصل بهذا الوطن إلى ما هو عليه في مختلف المجالات، كما أنّ بعضها قادر على العطاء بما يوازي مرحلته العمرية، ومن البديهي جدًا أنَّ تقدم عمر الإنسان يؤدي إلى تراكم وتنوع معارفه التي تُشكلها مهنته أو وظيفته، وبالتالي فهي معرفة مكتسبة يجب على الأجيال التَّعرف عليها والأخذ منها كونها تؤسس لأفكار جديدة نستفيد منها في قادم الأيام.

إنَّ التَّعجيل بإصدار ترخيصٍ لجمعية المُتقاعدين مهم في ظل وجود متقاعدين لديهم الرغبة والطاقة الكبيرة للقيام بعمل ما في نطاق أنظمة وقوانين مؤسسات المجتمع المدني، وهذا ما لمسته من الكثيرين من المُتقاعدين الذين يرغبون في خدمة مجتمعهم من أجل توصيل رسالتهم وطرح تجاربهم ليُستفاد منها، وبحكم مُتابعتي لتشكّل هذا الكيان أي: الجمعية، فإنَّ أركانها اكتملت من حيث التأسيس إلا أنَّ موافقة وزارة التنمية الاجتماعية علّقت الموافقة حتى يتم إصدار  قانون الجمعيات الجديد، وهذا لا يُضير من ناحية قانونية وإجرائية، وما نأمله من الجهة المختصة أن تصدر للجمعية تصريحاً بحسب القانون المعمول به حالياً، حتى تتمكن من مزاولة نشاطها، وذلك للحاجة الماسة التي تدفع بهذه الفئة إلى العطاء مجددًا وإشراكها في العمل الاجتماعي أو المؤسسي بما يُناسب الإمكانات والظروف.

وبحكم التَّطور والتَّقدم الذي تشهده مجالات الحياة فإننا بحاجة إلى مراجعة الأنظمة والقوانين التي تؤمن للمتقاعد حياة كريمة، لذا كان من المهم أن يكون المتقاعد شريكًا أساسياً في مراجعة مختلف الأنظمة التقاعدية مع الجهات الأخرى المختصة، وهذا ما يقودنا إلى فتح نوافذ تساهم في زيادة المزايا الاجتماعية والاقتصادية التي تعطى للمتقاعد بما يحقق له الرفاهية، ولا سيما مشاركة القطاع الخاص في منح المُتقاعدين تسهيلات عبر الجميعة أو مؤسسة لها إطار  قانوني.

في نطاق آخر وهذا يُعد من المُسلمات التي يجب أن نتبناها، حيث إنّ بلوغ سن التقاعد هو مؤشر لا يدل على انتهاء رحلة العمل والعطاء، إلا إذا استثنينا تدهور الحالة الصحية التي تمنع الاستفادة من سنوات العمل والخبرة التي تكرّست في نفوسٍ أحبت العمل من جانب أنه واجب يُحفز الإنسان على استخدام عقله وقوته، وهذا ما نجده في تلك الأفكار التي تُبنى على استثمار العقول وتجتهد في سبيل حياة كريمة خدمة لمجتمعاتها التي وهبتها الاستقرار.

ولو تعمقنا في التجارب العالمية نرى أنّ الكثير من مؤسسات الضمان الاجتماعي تقوم بتقديم الاستشارة الصحيحة عندما يتقدم العامل بعد بلوغه سن التقاعد، وهي استشارات مبنية على تأثر الأفراد بمرحلة التقاعد من الناحية النفسية، إلى جانب رغبتها في استثمار هذه الكفاءات حتى لا تكون في يوم من الأيام عالة اجتماعية تؤثر في مواقع الإنتاج من كثرة أوقات الفراغ، وبهذا التوجه الذي تقوم به هذه المؤسسات لا يكفي إلا عبر تكامل المهام بينها وبين المؤسسة التي يعمل فيها الفرد، لذا فمن الأهمية أن تضع مؤسسات القطاع الخاص والعام برامج مُحددة للراغبين في التقاعد بهدف ضرورة احتكاكهم بالشباب وتوظيف ما لديهم من مهارات خدمة للمؤسسة كونها رسمت مستقبلهم وساندتهم في توفير بيئة عمل ذات كفاءة وجودة في الإنتاج.

من المؤكد أنّ الاستفادة من الخبرات بطريقة تُناسب أعمارهم وقدراتهم الجسمانية لا أعده جديدًا، وإنما جاء وفق خطط وآليات تقوم بها شركات عالمية، وما شدَّني في هذا الموضوع ما تقوم به الشركات الألمانية حيث أوجدت بيئة جاذبة للمُتقاعدين جعلتهم يقطعون تقاعدهم للعودة إلى مقار عملهم، وفق مُبادرة تحسب لتلك الشركات في نقل المهارت في إطار بيئة العمل التي عايشها العامل طوال فترة عمله، وهي بحد ذاتها تمثل البيت الأول له لذلك فالحنين لهذا البيت ولهذه الأسرة أمر لا يختلف عليه اثنان، وعلى سبيل المثال وبحسب ما ذكرته العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية، فإنِّ شركة "بوش" لإكسسوارات السيارات والأجهزة الكهربائية المنزلية أقامت منذ العام 1999 فرعاً مؤلفًا من مجموعة من الخبراء المُتقاعدين، وفي ملفاتها نحو 1600 شخص من عمال متخصصين وكوادر مستعدين للقيام بمهمات في ألمانيا والخارج، وفي العام 2012، حذت حذوها شركة "أوتو" العملاقة للبيع عن بعد وبات لديها مجموعة مكونة من خمسين متطوعًا تقريبًا تلجأ إليهم مثلاً لاستبدال نظام معلوماتي قديم صمم داخل الشركة، وتؤكد جينفير بوشولتز الناطقة باسم "أوتو" أنَّ "المتقاعد العائد لا يسرق مكان أحد، فالأمر لا يتعلق بمنصب دائم بل بمشروع محدد زمنيًا نحتاج فيه إلى معارف محددة"، وترى بوشولتز أن "تحقيق العائدات ليست الدافع الوحيد وراء ذلك"، معتبرة أنَّ "الشعور بأنّهم يفيدون بشيء ونقل مهاراتهم أمر مهم أيضًا".

تلك النماذج العالمية التي وضعتها تلك الشركات في استغلال الكفاءات، أراها من وجهة نظري مكافأة سخية بجانب راتب التقاعد، لذا فمن الضروري أن تقوم مؤسسات القطاع الخاص بتصميم برامج تعود بالنفع على من تفانى في خدمة مؤسسته.

هذه الأفكار في مجملها تقودني إلى المطالبة بالتسريع في منح التصريح لجمعية المُتقاعدين العمانيين (قيد التأسيس) لتؤمهم وتحتضن مواهبهم وفي ذات الوقت تكون مُتصلة بالمؤسسات الباحثة عن الخبرات للاستفادة منها، كما أنني أُشير  إلى ضرورة إقامة أندية للمُتقاعدين وفق بيئة عالمية يكون المتقاعد مساهم فيها عبر استقطاعات مُحددة خلال فترة عمله ليتم استثمارها في إنشاء تلك الأندية وإدارتها ووضع برامج تُناسب أعمارهم، لأنّ هذا سيُساعدهم في تجاوز المرحلة التي قد يحس فيها بأن قدراته قد تعطلت.

همسة:

ثمَّة حياة تنبض.. تحتاج إلى من يفهمها ويُمهد لها البيئة لتعطي بحسب استطاعتها.. فحان الوقت لإشهار جمعية المتقاعدين العمانيين.

 

كاتبٌ وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com