الشباب وبناء المستقبل

 

حاتم الطائي

الآن.. باتَ بالإمكان الحديث بشكل جدِّي عن خارطة طريق واضحة الملامح لـ"التنويع الاقتصادي" في السلطنة، بعدما تكللَّت نقاشات ما يقارب 51 ألف ساعة -هي عُمر حلقات المرحلة الثانية من البرنامج الوطني "تنفيذ"- بالنجاح، وما وَاكَبها من حِرَاك واهتمام حكومي ومجتمعي واسع، عزَّز من جِديته مرسومٌ سامٍ أُنشئتْ بموجبه وحدة "دعم التنفيذ والمتابعة"، لتكون بمثابة المراقب والمحفِّز ليحقق البرنامج غاياته المرجوَّة، فضلا عمَّا أُعلن عنه في ختام "مرحلة المختبرات" من مبادرات تشمل 112 مشروعا في خمسة مجالات؛ ثلاثة منها قطاعات تتضمَّنها إستراتيجية التنويع الاقتصادي للسلطنة "2040"؛ بهدف رفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 50% خلال السنوات الخمس المقبلة، ومجالان آخران في التمويل المبتكر وسوق العمل والتشغيل. وكذلك الإعلان عن البدء الفوري في تحويل مخرجات المرحلة الحالية إلى إنجازات على أرض الواقع، وتوقيع الوزراء والمسؤولين على "وثيقة تعهُّد" بتنفيذ المتفق عليه من مشروعات، والعمل على تذليل أية صعاب أمامها.

وتطوُّر نوعي كهذا في الرُّؤية المستقبلية للحكومة في التعاطي مع مُستجدات الأوضاع الراهنة، لا يُمكن أن يُقرأ منفردًا، دون الأخذ بعين الاعتبار دلالات السياق الزماني له، فإنْ كان انطلاق المرحلة الثانية من "تنفيذ" -كما أسلفنا توضيحه- قد توسَّط عيدين عُمانيين خالصين؛ هما:  يوم النهضة المباركة والعيد الوطني المجيد؛ فإنَّ دلالة جديدة ورسالةً غاية في الأهمية يحملها ختام البرنامج الذي تزامن مع "يوم الشباب العُماني"، كعامل ارتباط مُباشر بين مباركتيْن ساميتيْن؛ كوننا جميعًا نتطلع إلى مبادرات "تنفيذ" الطموحة في صناعة الأمل العُماني، والتي لن تتحقَّق سوى بدماء الشباب المتجدِّدة؛ كونهم ثروة وطنية لا تنضب.

وإنْ كان البرنامج الوطني يُمثل انعكاساً للاهتمام السامي بتعزيز فرص التنويع الاقتصادي لمصادر الدخل، والعمل على تحفيز جميع القطاعات الاقتصادية، وبصفة خاصة القطاعات غير النفطية، والعمل على زيادة مساهمتها في الدخل القومي؛ ورفع مساهمة القطاع الخاص في المشاريع التنموية بكل قطاع، فإنَّ إحصاءً أُعلن عنه مؤخرًا بأنَّ 3 من كل عشرة عمانيين من "الشباب"، يُعزِّز آمالًا كبيرة تنعقدُ على مُخرجات البرنامج؛ نظرًا للدور الطليعي والريادي الذي ننتظره من تلك الفئة العُمرية، ومساهماتهم في رفد عجلة التنمية، وقدرتهم الفعَّالة على استكمال بناء الوطن ومواصلة مسيرة نهوضه وتطوره. وهو ما يستدعي استحضار دعوة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- الدائمة للشباب بالانخراط في مُختلف مجالات العمل من أجل بناء أنفسهم وتطوير بلادهم؛ وما توليه حكومتنا من اهتمام واسع بتوفير سُبل الدَّعم للمشروعات الصناعية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة بشكل مباشر أو غير مباشر. ويُترجم كلُّ هذا، ما تمتَّعت به المرحلتان الأوليان من البرنامج الوطني من مرونة تشغيلية واستقلالية في استقطاب أفضل الكفاءات؛ إذ تمَّ تشكيل فريق عمل عُماني يتمتَّع بخبرة وكفاءة في إدارة البرنامج حسب الخطة الموضوعة، وهو ما ينثر تباشير الأمل حول كفاءاتنا الوطنية الشابة، إلا أنه في المقابل يفتح المجال أمام حديث قديم/جديد حول "آليات التمكين".

فانتشار الفكر التنموي وأُسس ومفاهيم التنمية المستدامة بين الشباب، تأتي كحاجة مُلحَّة في ظل التطوُّرات التي نعيشها على مختلف المستويات؛ فهم رهاننا المستقبلي في مختلف الخطط والإستراتيجيات الطامحة للتغيير البنَّاء والعمل على تحقيق الأهداف الإنمائية؛ مما يستتبع أن تتوازى مخرجات "تنفيذ" مع بناء آليات جديدة للتمكين تُسهم في بناء قدرات شباب اليوم للقيام بدورهم الريادي في بناء "دولة المؤسسات"، وفق إطار مؤسسي وتشريعات مرافقة لتفعيل عملية المشاركة والانخراط في صناعة القرار.

إنَّ المضمون الذي حَوَتْه مخرجات المرحلة الثانية من البرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي، تستتبع صياغة جُملة من الشروط الضامنة لريادة أبنائنا من الشباب، ودمجهم في خطط التنويع وإستراتيجيات المستقبل؛ عبر منحهم الفرصة في التعبير عن تطلعاتهم وآرائهم، والدفع بهم نحو القيام بمبادرات تنموية فاعلة، وإدماجهم في مشاريع التحوُّل والإصلاح الوطنية، ورفع مستوى مشاركتهم في قيادة تلك المشاريع؛ فهم الاستثمار الحقيقي القادر على إيجاد حلول أكثر مواكبة للتحديات التي تواجهنا.

كما يبقى -ومن جهة أخرى- على عاتق الشباب أنفسهم مسؤولية أنْ يبادروا وأن يكونوا مُؤثرين وفاعلين في المجتمع، ومشاركين في المشاريع التنموية المختلفة، فهم حُراس الماضي، ونصف الحاضر، وكلُّ المستقبل، وعليهم أن يتسلحوا بروح الإيجابية، والبعد عن الوقوع في براثن السلبية وثقافة الشكوى والجمود؛ وأن يؤمنوا بإمكاناتهم وطاقاتهم؛ ليَعْظُم دورهم في البناء الوطني ومواجهة التحديات المستقبلية، بالإرادة والأمل والعمل الجاد.