عبدالله العليان
في مقالِ الكاتب السعودي عبدالرحمن الراشد -الذي حمل عنوان "عُمان.. بين الخليج وإيران"- والذي ناقشنا بعض ما قاله في الأسبوع المنصرم، فإننا سنناقش في هذا المقال بعضَ ما كتبه في جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية في 18 أكتوبر الحالي؛ فقد قال الكاتب الراشد: "تبدو مسقط أقرب للنظام الإيراني منها إلى شقيقاتها الخليجية التي ترى أن النظام الإيراني خلّف هذه الأزمات، وأنه صار يهددها أكثر من ذي قبل، وتحديدًا منذ بدء تفاوضه مع الولايات المتحدة، التي لعبت عُمان فيها دور ساعي البريد، ثم صارت مركز المفاوضات السرية"، وقال في فقرة أخرى من مقاله أن "السلطنة مرت بمحنة الربيع العربي عندما اضطربت المنطقة كلها عام 2011، وتجاوزتها بدعم سياسي واقتصادي من دول مجلس التعاون التي وقفت إلى جانبها أمنيًا واقتصاديًا".
والحقيقة أنني أستغرب من هذا التحليل الغريب، الذي يتجاهل الكثير من الحقائق التي لا تحتاج إلى تكرار، فأولاً ليس صحيحا أنَّ عُمان أقرب للنظام الإيراني من شقيقاتها الدول الخليجية، فأمن الخليج واستقراره من أمن عُمان، والعكس صحيح، وهذا من الثوابت التي لا نقاش فيه، فهو كمن يكتب على الرمال! فتاريخياً عمق هذه الدول، هي عمق لعُمان والتاريخ هو من يكشف هذه الحقائق التي يعرفها المختصون، فلا يقبل عقلاً ومنطقاً أن تنحاز عُمان إلى إيران، على حساب جيرانها، وعُمقها الإستراتيجي، فأمن الخليج وتماسكه هو لكل دوله، وهذا من الثوابت في السياسية العمانية منذ العام 1970؟ وهل من المنطق أن تسعى عُمان إلى غير هذا الطريق الثابت الإستراتيجي؟! أمَّا ما قاله الراشد عن المفاوضات التي رعتها عُمان بين الولايات المتحدة وإيران، حول أزمة المفاعل النووي الإيراني من عُمان من أن "لعبت فيها دور ساعي البريد، ثم صارت مركز المفاوضات السرية"؛ فهذا للأسف ما كان ينبغي أن يقوله عبدالرحمن الراشد، فالدور العُماني في إنهاء أزمة النووي الإيراني هو لمصلحة الجميع، ولم تكن المفاوضات سرية، ولا تحت الطاولة، والسعي العماني كان أمام الجميع، وتحت العالم سمع وبصره، فلو تأزمت القضية، وأدت إلى الحرب بسبب النووي؛ فالخليج كله سيكون في مرمى هذه الحرب! وهذا الجهد العُماني لن يُزعج الأشقاء في اعتقادي بل كان مبعث سعادتهم، وهذا ما قاله مسؤولون كبار في دول المجلس قبل وأثناء المفاوضات التي تجللت بالنجاح، فقد صرح سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم -في تصريح لقناة البي.بي.سي في يناير 2014- بأن "إيران جارتنا، ولا نريد أي مشاكل معها.. ارفعوا العقوبات وسينتفع الجميع"، وهذه هي نظرة عُمان لحل أزمة النووي الإيراني. أما قول الراشد بأنَّ "السلطنة مرت بمحنة الربيع العربي عندما اضطربت المنطقة كلها عام 2011، وتجاوزتها بدعم سياسي واقتصادي من دول مجلس التعاون التي وقفت إلى جانبها أمنيًا واقتصاديًا". وهذا القول لم نسمع به أبداً، وهو أقرب إلى الخيال أو التوهم، ومع تقديرنا لكل دول المجلس أن ما جرى في عُمان، أنها كانت مطالب شعبية محددة، قُدمت للدولة، ولم يكن هناك ما يريد أن يلمّح إليه الراشد، وكانت صور السلطان قابوس يحلمها الشباب في كل أماكن التجمعات، وكان اهتمام الدولة بهذه المطالب سريعاً، ولم يكن هناك شيء يستدعي تدخل الأشقاء، ولم يحصل هذا أبداً، وكانت حكمة السلطان هي التي جعلت عُمان تبقى كما كانت في وحدتها وتماسكها وسلاها الاجتماعي، لكنها ستظل واقفة مع أشقائها في دول المجلس، وحريصة على استقرارهم وهم كذلك، مهما يقال من هنا وهناك، سيثبته الواقع وتؤكده الحقائق الناصعة.