ثقافة الشكر

 

 

وديع اللواتي

إنَّ الإنسانَ بطبيعته البشرية يتعامل مع الناس حوله، ويحتك بهم، ضمن ساعات يومه. تربطه بالبعض منهم علاقات قوية كالصداقة وزمالة الدراسة أو العائلة أو الوظيفة...وغيرها من العلاقات. وتربطه بالبعض الآخر علاقات عابرة لمواقف محددة وتنتهي هذه العلاقة بانتهاء هذه المواقف.

ولكَوْن طاقة الإنسان محدودة، فإنَّه يحتاج للناس حوله لمساعدته في أداء بعض الأعمال عنه أو معه أو له؛ فالمدير يحتاج لموظفيه ليؤدوا عنه بعض الأعمال ضمن إطار الوظيفة. والزوجة تقوم بأعمال المنزل لزوجها وأطفالها، والأولاد يخدمون آباءهم وأمهاتهم في بعض واجبات البيت، والخادمة تقوم بخدمة أصحاب المنزل التي تعمل به...وغيرها من المهام والخدمات التي يقوم الناس بأدائها لمن حولهم.

السؤال الذي يجب أن نطرحه ونقف عنده وقفة تأمل: هل قمتُ بشُكر الطرف الآخر الذي قام بأداء عمل ما لي؟ أم نهرته لأنني وجدت تقصيراً في عمله وتجاهلت الجهد المبذول منه؟ هل يجب أن أشكره لشيء يؤديه وهو ضمن إطار عمله ومهامه؟ أم يجب أن يبقى الشكر لشيء يؤديه خارج مهامه الموكلة إليه؟

كل هذه الأسئلة تقودنا لظاهرة اجتماعية نحتاجها بشدة وبقوة وهي ظاهرة الشكر. إن كلمة "شكراً لك" أو "أحسنت" أو غيرها من كلمات المدح والشكر والثناء على بساطتها وصغرها هي ذات مفعول سحري عجيب على نفس متلقيها. لأن الإنسان بطبيعته هو كتلة من المشاعر والأحاسيس وعبارات المدح والثناء تشعره بتقدير الجهد المبذول من قبله مهما كان حجم هذا الجهد. بل إن إنتاجيته وحماسه ورغبته في إكمال عمله والإبداع فيه تزداد حين يرى تقدير من يقوم بتقديم هذه الخدمات لهم؛ إذ إنَّ الحافز المادي ليس هو النوع الوحيد والطريقة الوحيدة لمكافأة من يقوم بإنجاز مهمة ما.

أعتقد أن الأوان قد حان لنبدأ بنشر هذه الثقافة الحميدة بيننا، ثقافة لا تكلف أي جهد وعناء ولكن لها مردود معنوي كبير. لنبدأ بمراقبة من حولنا ومن يساعدوننا في مهامنا ونوجه لهم عبارات الشكر والثناء لتصبح عادة يومية لا نتخلى عنها. ليشكر الآباء والأمهات أبناءهم على كل مساعدة منهم في أعمال المنزل. لنشكر الخدم والعمال الذي يعملون لدينا على كل ما يقومون به من أجل راحتنا وخدمتنا. لنشكر الموظفين حولنا من زملائنا ومرؤسينا لكل مهمة يقومون بها.

ثقافة الشكر هي من الأمور الضرورية لتبقى الألفة والمحبة بين الناس، وتزيد من عطائهم وتفانيهم. ولكن يجب أن ننتبه أن لا نجعلها بديلاً عن الحوافز المادية. إذ أن للإنسان حاجات مادية أيضا ولكن لتكن ثقافة الشكر سائدة بيننا تتبعها حوافز ومكافآت مادية بين الفينة والأخرى.

أقولها من واقع تجربة شخصية في تعاملي مع العديد من الناس من حولي، كلمة "شكرا" كانت سبباً لرسم الابتسامة على الكثير من الوجوه المتعبة والمرهقة، والتي تعمل دون كلل أو ملل، ولا تنتظر أي شيء بالمقابل.

لذا؛ شكراً من كل أعماق قلبي لكل إنسان حولي تعاملت معه وعملت معه في أي عمل أو موضوع. شكراً لكل من أدى لي خدمة أيًّا كان حجمها ونوعها.