المسؤولية المجتمعية.. واجب وطني

 

 

حميد السعيدي

Hm.alsaidi2@gmail.com

 

أدوار المواطن الحقيقية لا تتوقَّف عند القيام بمهامه الوظيفية في خدمة الوطن، وإنما تتعدَّى لتشمل جوانب أخرى تحقق المواطنة الفاعلة من خلال المشاركة الحقيقية بالمجتمع والشعور بالمسؤولية الاجتماعية تجاهه، وهذه تعتبر أهم المبادئ الأساسية بالمواطنة؛ فالمجتمعات المحتضِّرة لا توصف من خلال تقدمها في ممارساتها ومنتجاتها فقط، وإنما بمدى مقدرتها على بناء التعاون الاجتماعي للوصول إلى مستوى عالٍ من التوافق والألفة الاجتماعية؛ وذلك من خلال تحمل الفرد لواجباته الاجتماعية وتحقيق التعاون بين جميع أفراده في مواجهة الحياه ومشكلاتها المتعددة، والتي يجب أن يكون الفرد مشاركاً في معالجتها، لا أن يكتفي أو يعيش مستقلا بذاته بعيداً عن الآخرين.

وبمقدم البعثة النبوية المشرفة، عمل ديننا الحنيف على تنظيم حياة المسلمين بكافة جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، فهو لم يركز فقط على الواجبات الدينية التي يفترض من المسلم القيام بها، وإنما سعى إلى تحقيق الإيمان الروحي لديه من خلال القيام بأدوار متعددة تخدم المجتمع وتحقق التوجه الاجتماعي، فالمؤمن الصادق في إيمانه هو عضو فاعل في المجتمع، وجزء لا يتجزَّأ منه "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً"؛ حيث دعاء الدين الإسلامي إلى التعاون والمشاركة والتآزر والفاعلية في المشاركة بمعالجة قضايا المجتمع.

فالاندماج مع المجتمع يدفع الفرد إلى أن يكون عضوا فاعلا فيه، من أجل إعلاء مكانته وتطوير قدارته، ومساعدة أفراده بكل ما يمكن تقديمه لهم من دعم ومسانده، وتحقيق الدور الاجتماعي ليس من خلال التواجد بالمجتمع، وإنما من خلال قيامه بواجباته الوطنية والتي تركز على الخدمة الاجتماعية؛ فهو مسؤول عن نفسه وعن الجماعة التي يتعايش معها، ويكون دائما على مستوى عالٍ من المقدرة على تقديم العون.

لذلك؛ تصبح خدمة المجتمع عملية أكثر رُقيًّا عندما يدرك الفرد أنه جزء مكمل منه، ولابد من مشاركته الفاعلة. لكن ما نشهده اليوم من تغيرات في العديد من الأنظمة الاجتماعية أثر على مشاركة الفرد في خدمة مجتمعه، وأصبح أكثر انعزالية عنه مبرراً ذلك بانشغاله بأعماله الخاصة وعلاقته بمحيط أسرته، وبدأ يتناسى أهمية وجوده ضمن منظومة اجتماعية لا يمكن الانفصال عنها. وتعد المسؤولية المجتمعية إحدى الدعائم الرئيسة للمجتمع، فعندما يصبح الفرد قادراً على تحمل مسؤوليته تجاه نفسه، ومسؤوليته تجاه المجتمع نجد أننا نصل به إلى مستوى عالٍ من الرقي والتحضر، وهذه الأدوار الاجتماعية لا تتوقف على الفرد وإنما تشمل كافة القطاعات المجتمعية خاصة القطاع الخاص ودوره في تقديم الخدمات المتعددة للمجتمع ودعمه بالعديد من المشاريع والخدمات التي يقوم بها دون الحصول على عائد من ذلك؛ الأمر لا يقتضي من الفرد المسؤولية، وإنما على جميع مؤسسات القطاع الخاص أن تكون جزءا من المجتمع حتى نحقق معنى قيمة الاحسان والتعاون الاجتماعي الشامل؛ لذا من الضروري أن تقوم مؤسسات القطاع الخاص بدعم المجتمع من خلال تبني العديد من المشاريع الهادفة، والتي تسعى لتطوير المجتمع والنهوض به من خلال إقامة المراكز الثقافية، ومراكز خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، وإقامة المراكز التعليمية الهادفة، ومراكز الاكتشاف، ودعم الأسر المحتاجة ومساعده أبنائهم على التوظيف فيها، وإنشاء المراكز الصحية المجانية، ودعم الابتكارات ومساندة الشباب بالنهوض وخدمة المجتمع، وهذا لا يعفي الأفراد أيضا من القيام بأدوارهم في خدمة المجتمع بكافة الجوانب، ولكن ما نشاهده ما واقع اجتماعي يعطي الكثير من المؤشرات على غياب هذه الأدوار والاكتفاء بتقديم مشاركات سطحية عابرة لا تؤثر على المجتمع، فأين نحن من واقع الغرب الذي وصل إلى مستوى عالي في خدمة المجتمع، وأين نحن من الدين الإسلامي الذي نؤمن بعقيدة ولا نتمسك بمبادئه الفاضلة؟

لذا؛ فهي تعتبر مطلباً أساسيًّا في المجتمع بحيث يقاس قيمة الفرد في مجتمعه بمدى مقدرته على المشاركة في عملية البناء، وعلى تحمل المسؤولية تجاه نفسه والآخرين، فهي تعتبر من الصفات الإنسانية الراقية التي يجب أن يتحلى بها المواطن؛ فهي ليست لفظاً ينطقه الفرد، وإنما تتطلب منه المشاركة بحيث تحق الأهداف والغايات منها، ومجتمعاتنا لا تخلو من العديد من المواقف الاجتماعية التي أثبتت مدى تكاتف أفراد المجتمع مع بعضه البعض تماشيا مع النهج النبوي الذي يحثنا على التعاون: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحُمّى"، وهنا تتجلى أعظم القيم الاجتماعية وبه تتحقق العديد من الغايات، بحيث يشعر المجتمع بالسعادة والطمأنينة، لأنه يدرك ما قد يواجه في المستقبل سيساعده البقية على اجتيازه، فعندما يحدث التعاون بين الأفراد يساعد على تقليص الجهد والوقت والمال، ويحقق الأخوة بين الأفراد.

الأكثر قراءة