إضاءة

مسؤول غير مسؤول!!

 

 

مسعود الحمداني

(مسؤول) اسم مفعول.. وليس فاعل..ورغم ذلك يكون في كثيرٍ من الأحيان هو الفاعل الأوحد الذي لا يُسأل عمّا يفعل، وهم يُسألون، هو الآمر، الناهي، المُهيمن على الأمور، والمُسيطر على الأوضاع، غير المُساءَل، الذي يرى العالم مقلوباً، وهو الوحيد القادر على عدله، وإعادة هيكلته، وتعميره، وترميمه، وهو لا يألو في سبيل تحقيق ذلك أن يوفر كل طاقاته، وتحطيم كل النمل الصغير كي يصل إلى مبتغاه، غير آبهٍ بقراراتٍ قد (تخرب الدنيا)، ولا تعدلها.

ولأنَّ (المسؤول) هو القادر وحده على تغيير الملفات، ورصد (درجات) الموظف، حيث لا يُمكن أن تفلت أي نفس من بين قبضة أصابعه دون أن يهبها مباركته، ودون أن يمررها على (المفرزة) التي تُحدد الأشخاص (هذا من شيعتي وهذا من عدويّ)، وبالتالي يستطيع أن يوصل المعلومة التي يُريدها هو إلى الجهات التي يرغبها حتى وإنْ كانت تلك المعلومة تفتقد لأقل درجات الصدق، ولكن لأنّه (مسؤول) فهو (غير مسؤول) عن تقاريره، لأنّ (الكبار) منحوه مطلق ثقتهم، وهم لذلك لا يشكّون في نزاهة توجهه، وإلا كان معنى ذلك أنّهم يُشككون في نزاهة قراراتهم هم، وهو لذلك لا يُعير الأمور اهتماماً إذا غابت الرقابة الإدارية، وحتى إنْ حضرت هذه الرقابة فهناك ألف طريق ومسلك لتبرير كل تصرف وبشكل (قانوني) بحت، وغالبًا ما تحضر في ذهن المسؤول (أنصاف الحقائق) عن الأشياء، ليس لأنّه يرغب في تلك الأنصاف، ولكن لأنه لا يحب سماع الحقيقة كاملة، ولأنَّ ضميره سيكون حيًا، ونابضًا، حين ينقل النصف، ويُبقي النصف الآخر (المضيء) في طي الأوراق، أو في حيّز القناعات الشخصية التي لا تتغير مهما تغيرت الظروف والأحداث، ومهما تبدّل الكون، لأنّه يؤمن إيمانًا يقيناً لا لبس فيه أنّ (الحقيقة المطلقة) لا يملكها غيره.

في تقارير الموظفين (غير المرضيّ) عنهم تحدث عمليات (تزوير)، ويُبخس أشخاص حقوقهم، ويمارس ضدهم أشنع أنواع الإقصاء، والتهميش، وقد لا يعلم الموظف (المغلوب على أمره) ما يحاك ضده في الخفاء، وهو يصارع يوميًا بإخلاص من أجل الحياة، ولقمة عيش أولاده، دون أن ينتبه إلى خطر داهم يطل برأسه من وراء ظهره يحاول أن يُشوّهه، ويُغلق عليه مسام الكلام، وكم من موظفين مخلصين اُنتهكت حقوقهم، لا لأنّهم غير مُنضبطين في أعمالهم، ولكن لأنَّ التقارير التي تُكتب عنهم تفتقد إلى المصداقية والأمانة، وهي دائمًا ما تكون نسبية وغير دقيقة ولا يُشرك فيها الموظف، وتكون أحادية المسؤولية، أي أنَّ المسؤول (المُباشر) هو وحده الذي يُحدد كفاءة هذا الموظف أو ذاك وفقاً لاعتبارات قد تكون أحياناً شخصية بحتة، ولا تخلو من الأهواء، والميل، وتطبيق معايير الانتقائية على المرؤوسين، ويبقى هو (في السليم) ما دام قريباً من المسؤول الأكبر منه، وهي الدائرة نفسها التي تدور حولها الحبال، ويتم اللعب على أطرافها.

ليس ما مضى مُجرَّد كلام إنشائي يفتقد إلى الأرقام والوقائع، ولكنه واقع بعض المؤسسات سواء الحكومية والخاصة حين توكل الأمور إلى غير أهلها، ويتم من خلالها تمرير الانطباعات الشخصية، وتصفية الحسابات الضيقة، وتهميش الكفاءات، ولو قامت الجهات المُختصة بعمل استقصاء أو استطلاع حول (مدى رضا الموظفين عن المسؤولين مُتخذي القرار في مؤسساتهم) لوضحت الرؤية بشكل أفضل..ولعاد المسؤول إلى صيغته النحوية (اسم مفعول)، وليس (اسم فاعل) كما هو حاصل حالياً.

 

 

Samawat2004@live.com