"وعد" على أبواب مؤتمر تاريخي

 

عبيدلي العبيدلي 

أعلنت جمعية العمل الوطني الديمقراطي "وعد" عن موعد عقد مؤتمرها العام الثامن. ولم تفصح "وعد" حتى اليوم عن جدول أعمال المؤتمر، لكن منطق واقع العمل السياسي الذي تعيشه البحرين اليوم، ومكوناته الرئيسة، وفي مقدمتها "وعد"، يضع أمام هذه الأخيرة مجموعة من التساؤلات المصيرية التاريخية المطالبة بالتوقف عندها مطولا وبتمعن، مستلهمة قرارات مؤتمرها من تجربة تاريخية غنية في مرحلتي العمل السياسي البحريني: السرية التي سبقت المشروع الإصلاحي، والعلنية التي جاءت كإحدى إفرازاته. 

أول تلك التساؤلات التي يحق للجميع أن يصفها بالمصيرية هي البرنامج السياسي، ومن المتوقع أن يتوقف المشاركون في المؤتمر طويلا أمام ثلاث قضايا مصيرية ذات علاقة بمستقبل "وعد" السياسي. 

تتقدم هذه التساؤلات كيف تشخص "وعد" المشهد السياسي البحريني، في ضوء تطورات الأوضاع المحلية أولا، والإقليمية ثانيا؟ كيف ستجري الموازنة بين ثقل كل منهما، ومن ثم انعكاساته على موازين القوى في الساحة البحرينية؟ مثل هذا التشخيص، أن أريد له الخروج بتوصيات مؤثرة في مكانة "وعد" على خارطة التوازنات السياسية المقبلة، عليه أن يتحاشى الغرق في العموميات، ويغوص عميقا في التفاصيل. ففي التفاصيل، كما يقول المثل "يكمن إبليس". الغوص المطلوب هنا لا بد من الوصول إلى المعادلة الصحيحة القادرة على الوصول إلى التوازن الحذر الذي يتحاشى الطفو العام الساكن، ويتجاوز احتمالات الغرق التفصيلي العفوي. 

يلي تلك الوقفة، مسألة التحالفات السياسية المطلوب بناؤها في ضوء التطورات الجذرية التي عرفتها خارطة العمل السياسي خلال السنوات الماضية. تتقدم هذه المسألة ثلاث قضايا: الأولى منهما إلى متى ستقبل "وعد" بانعزالها عن مكونات الشارع السياسي "السني"، إن جاز لنا القول. لا ندعو إلى ذلك من خلفيات طائفية وإنما من منطلقات تقرأ الواقع، رغم مرارته، على حقيقته، دون تزييف أو أوهام، وبعيدا عن أية أصباغ تجميلية.

أمّا الثانية فهي تحالفاتها مع الإسلام السياسي الشيعي، الذي فقد أهم مكوناته السياسية، بعد حل "جمعية الوفاق"، ومن ثم هناك اليوم معادلة معقد لحل هذا المأزق تقترب من الحلول السحرية، إذا أرادت "وعد" الاستمرار في شرعية عملها السياسي، وتحاشت الصدام المباشر مع التطبيق الحالي للأنظمة والقوانين التي تنظم مسيرة العمل السياسي في البحرين. 

ونصل من الثانية إلى الثالثة، وهي علاقة "وعد" مع مكونات التيار المدني، وكيف في وسع "وعد" أن تخرج العلاقة من سباتها العميق وتبث الروح فيها، آخذة في عين الاعتبار كل المشكلات التي تعاني منها كل جمعية فيه على حدة، والاختلافات التي تنشب أنيابها فيه ككتلة سياسية تحمل على اكتافها إرثا تاريخيا يصعب التخلص منه، ومن المتوقع أن تؤجج من خلافاته المرحلة المقبلة، وعلى وجه الخصوص ونحن نقترب من انتخابات 2018 النيابية. 

تعقب التحالفات، وفي نطاق البرنامج السياسي، سيجد المشاركون في المؤتمر أنفسهم أمام علامة استفهام كبيرة ومعقدة تطالبهم بتحديد موقف صريح وصارم من انتخابات 2018 النيابية التي باتت تدق الأبواب. ليس هناك سوى "وعد"، فهي أفضل من غيرها في معرفة نفسها، بوسعه تقديم النصح أو الاستشارة بشأن الموقف من تلك الانتخابات، لكنها في الحالتين: المشاركة أو المقاطعة، مطالبة بوضع البرنامج السياسي والبناء التنظيمي الملائمين للقرار الذي سيخرج به المؤتمر. ولابد من لفت النظر هنا إلى أن هذا البرنامج المطلوب عليه أن يشرح لأعضاء وعد أولا، وللمواطن ثانيا مسوغات الخيار المتخذ، ومبرراته، والفوائد المجنية منه. 

ومن البرنامج السياسي، وهو أهم البنود وأكثرها تأثيرا على مسيرة "وعد" القادمة، ننتقل إلى الجانب التنظيمي. وهنا مرة أخرى سيجد المشاركون أنفسهم أمام قضيتين مصيريتين، بغض النظر عن خيار المشاركة او المقاطعة. 

أولى تلك القضيتين هو التوسع التنظيمي، كيف سيتسنى لـ "وعد"، توسيع دائرة أعضائها بغض النظر عن مشاركتها في انتخابات 2018 أو مقاطعتها لها. لكل خيار منهما متطلباته وآلياتها ووسائله التي تميز نفسها عن الأخرى. هنا ينبغي رسم الصورة كاملة مأخوذا في الاعتبار كل السيناريوهات المتوقعة عند كل اختيار، نورد على سبيل المثال لا الحصر لا يكفي التوقف عند قرار المشاركة فقط بل لا بد من الذهاب خطوة أخرى، فالمشاركة لا تضمن الفوز، وبالتالي ينبغي وضع برنامج تنظيمي تفصيلي يعالج الاحتمالين، وعلى قدم المساواة: المشاركة والفوز أو الخسارة. وعلى قدم المساواة لا بد من دراسة تداعيات المقاطعة والتحديات التي تفرضها. 

وثانيتهما، وفي نطاق الوضع التنظيمي، هناك منصب الأمين العام المقبل، والتعقيدات التي ستنجم عند امتناع نخبة أفراد الصف القيادي الأول من الترشح لهذا المنصب، الذي من الطبيعي أن تكون الشخصية التي ترشح نفسها قادرة على قيادة السفينة في أوضاع سياسية معقدة، وواقع تنظيمي لا يقل تعقيدا عنها. 

القضية الثالثة وفيها يتداخل البرنامج السياسي مع البناء التنظيمي، وهي العلاقة مع منظمات المجتمع المدني. ليس هناك من ينكر صعوبات، بل وحتى تعقيدات البرنامج المطلوب وضعه لبناء علاقات سليمة، وصحية ومجدية في آن مع منظمات المجتمع المدني. لكن واقع الحال يقول إن العمل في صفوف منظمات المجتمع المدني بحاجة إلى إعادة نظر من قبل المشاركين في المؤتمر. وهنا مرة أخرى لا بد من التنويه أن النوايا الحسنة ضرورية لكنها ليست مجدية، ومن ثم فهناك حاجة ملحة لوضع برنامج عمل تفصيلي عام يحدد أطر مداخل العمل في تلك المنظمات، يلحقه مجموعة أخرى تفصيلية إرشادية تخاطب كل واحدة من تلك المنظمات بالعقلية التي تقبل بها، واللغة التي تفهمها، والبرنامج الذي يستسيغه أعضاؤها. 

"وعد" أمام مؤتمر تاريخي، وعلى مفترق طرق، والخيار الصحيح، بغض النظر عن طعم مرارته، هو القادر على أن يأخذ بيد "وعد" ويضع أقدامها على الطريق الذي يتمناه لها أصدقاؤها، وليس أعداؤها.