جيل الطيبين.. في زمن الطيبين

زينب الغريبية

 

انتشرت فيديوهات ورسائل تتناقل في وسائط التواصل الاجتماعي المختلفة، تحمل صورا من الماضي كممارسات وأدوات، كان من هم في جيل آبائنا أو إخوتنا الكبار ومنها ما استخدمناها ونحن صغار، ويُكتب عليها تعليق بأنّها من زمن الطيبين، فهل يعني ذلك أننا في زمن الشريرين؟! ويشار بذلك لأنّها أشياء جميلة ترمز للبساطة، وبدائية الحياة، وفيها إشارة للحنين لتلك الأدوات وذلك الزمن.

ربما ما ارتبط بها ذكريات جميلة، تُذكِّر الشخص بأهله وذويه، وبيته الصغير وسط إخوته ووالديه، وعائلته الكبيرة وجيرانه، ومن هنا ينشأ الحنين لها، إلا أنه من وجهة نظري لا يجدر بنا تسميتها بحاجات الطيبين، إشارة إلى أنّ الجيل الحالي بأدواته هو عكس ذلك، فلو كانت هي رمز للطيبة والاستقرار والطمأنينة، فلمَ يهجرها مستخدموها، ليواكبوا ما استجد من أدوات مماثلة بشكل متطور؟ لمَ يسعون لتطوير أنفسهم في استخدام التكنولوجيا وركوب أفضل أنواع السيارات وتأثيث منازلهم بأحدث صيحات الديكورات والفرش، وهم من ذلك الجيل القديم- الطيب على حد قولهم- أفي ذلك هجران للطيبة؟ ولحاق بجيل الشر؟!

أم أنّ التمسك بها يعني التخلّف؟ والتشبث بالماضي يعني أنّ ذلك الإنسان الطيب يعتبر رجعيًا، منغلقا ومتقوقعا على ذاته، هجوم شرس يلقاه الجيل الحالي من الجيل السابق جيل الآباء والأجداد، بأنّهم ليسوا مثلهم في تحمّل المسؤولية، وفي قيادة الأمور الحياتية، ليسوا صانعي حضارة، فهل هذا حقيقي؟ هل نحن الجيل الحالي جيل لا نُرسم امتدادًا على خريطة الحضارة والبناء؟ هل قدّم الجيل السابق لنا إنجازات تذكر أكثر مما نقدم نحن الآن؟ هل يحق لهم أن يطلقوا علينا لسنا جيل طيبين؟

ما هذا الجيل إلا نتاج الجيل السابق، يحمل دماءه في عروقه، كل يمثل البيئة التي نشأ فيها، ويترجم التربية التي تلقاها، فمن تلّقى التربية من طيّب، سينتج الطيب من سلوكه، ومن لقى الاهتمام والمتابعة، مدّ خط الامتداد الحضاري، ليكمل مسيرة البناء نحو صناعة اسم للبلد على خريطة التاريخ، التي تسجل في كل يوم وفي كل عام ما أنجز، ليظل شاهدا على كل جيل، ليحدد بالتالي من هو الطيب الذي خطّ رمزا يعني عمان عبر التاريخ الإنساني.

الجيل الحالي جيل تعلّم، في مجالات مختلفة، وأسهم في البناء كل في مجاله، وتنافس الجيل السابق في صناعة هذا الجيل، والأخذ بيده من أجل أن تكون له بصمته الحالية، فاليوم يسجل هذا الجيل بنسائه ورجاله بصمةً في مجالات مختلفة منها داخل البلاد، ومنها خارجه في محافل دولية، يسهمون في العلم والعمل، وتقديم المنجز الحضاري، وإن طغت الرفاهية والحياة الراغدة على نمط معيشته، نتيجة ما وجده من خير ونماء، فمن ركن وعاش في عالم الاتكالية موجود، ولكن في المقابل من تعلم وعمل وأنجز موجود أيضا.

فالألقاب لا تطلق جزافا، والطيبة لها مقاييس ليس بالبساطة وبدائية الحياة، ولكن بما صنعت وأنتجت، وبما تحملت من مصاعب في سبيل إنجازاتها، وقدمت للحياة.