مكاسب "تنفيذ"

 

خلفان الطوقي

كتبتُ أربعة مقالات سابقة عن برنامج "تنفيذ"، وكَتَب أيضًا غيري من الكُتَّاب عددًا من الآراء والمقالات؛ منها ما كان تفاؤليًّا، ومنها مُشكِّكة، ومنها مُترقبة، ومنها تشجيعية.. وأجدُني مُرغما على أن أكتبَ مقالًا تشخيصيًّا بعد حُضوري عددًا من المختبرات، والتقائي عن قُرب بعددٍ كبير من المشاركين، والذين أجمعوا على عدد من النقاط الجوهرية، والتي اعتبروها مكاسب فورية (quick wins) لبرنامج تنفيذ، وسأذكر ما أجمع عليه من التقيت بهم في السطور التالية.

النقطة الأساسية التي اتفق عليها مُعظم من التقيت بهم هي وجود مظلة تكتمل فيها عناصر الحوار الوطني الناجح، والتي أثبت المشاركون -بالرغم من اختلاف جهات عملهم، وطرق تفكيرهم، ومؤهلاتهم، وقدراتهم الذهنية- اتفاقهم في تطلعهم لمستقبل أكثر إشراقا لعُمان وأهلها، ووضح ذلك جليًّا من خلال استمرارية حضورهم في مختبرات "تنفيذ" الذي أنهى خمسة أسابيع، وأوشك على نهايته خلال الأيام القليلة المقبلة.

تميَّز الحوارُ الوطنيُّ في برنامج "تنفيذ" باحترام الرأي والرأي الآخر، وحسن الاستماع لجميع وجهات النظر مهما كان مستواها، والاتفاق على بعض الرؤى التوافقية وإن لم تخدم الجهة أو الشخص طارح هذا الرأي أو ذاك؛ وذلك يدلُّ على وصول المشاركين لمرحلة النضوج، وعدم شخصنة المواضيع لصالح طرف دون آخر، وصولا لقناعة مشتركة بأنَّ هذا المشروع هو مشروع وطني ولا يمتلكه أفراد، وواجبٌ فَرَض على كل مشارك أن يخلع قبعة الجهة التي يمثلها، ويغلِّب المصلحة الوطنية ويضعها فوق كل اعتبار.

ومن المكاسب الوطنية الحالية -وحتى قبل نهاية البرنامج- والتي أجمع عليها اﻷغلبية: اكتشاف الخامات والطاقات العُمانية التي أثبتت في فترة الخمسة أسابيع الفائتة أنَّ لديها مخزونا دفينا من الفكر والرؤى والمعرفة والخبرات التراكمية، وظهر جليًّا تميُّزها، وأنَّ ما يحتاجونه مجرد فرصة ومساحة للتحرك لتتميز وتنطلق لآفاق شاسعة، وأنَّ البيئة الخصبة الصحية للإنتاج ستنتج لا محالة ثمرا يانعا يسر الناظرين والمخططين والمنفذين؛ حيث أوصى البعضُ بتعيين بعض المشاركين من الفئة الشابة ليكونوا ضمن الوحدة الجديدة والاستفادة من قدراتهم المذهلة.

الجديرُ بالذكر أيضًا أنَّ من المكاسب الفورية: الاندماج الصحي بين موظفي الحكومة وموظفي القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني التي قلَّصت المساحات الواسعة في طرق التفكير، وقرَّبت وجهات النظر، بل وانتقال الخبرات والمعارف فيما بينهم؛ فبمجرد جلوس الجميع تحت سقف واحد اكتشف كلُّ واحد منهم أهمية العمل واﻹنتاج ودفع عملية التنمية إلى اﻷمام، وضرورة الخروج من عُنق الزجاجة، خاصة في هذه المرحلة الدقيقة، والعمل بشكل إستراتيجي ومنهجي معا في ظل منظومة واضحة تحكمها جداول المهام المناطة لكل جهة، بل لكل شخص، ومعايير اﻷداء والجدول الزمني للأداء، والآثار المترتبة على أي إخفاق تجاه الجهة أو الشخص المسؤول. ويرون أنَّ هذه الأطروحات لم تكن موجودة من قبل، خاصة في المؤتمرات وورش العمل؛ حيث يرى المشاركون أنْ يكون تطبيق الطرق الجديدة للتنفيذ مفيدا ليس على مستوى البرنامج فحسب، بل حتى على مستوى تطبيق طرق التفكير وخطط العمل في جهاتهم التي ينتمون إليها بعد الانتهاء من هذا البرنامج.

وأكثر وأهم المكاسب التي أثلجتْ صُدور المشاركين: صُدور المرسوم السلطاني لمولانا السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله وأطال في عمره- بتعيين رئيس لوحدة التنفيذ والمتابعة وبرتبة وزير قبل انتهاء البرنامج؛ مما أعطى دفعة إضافية لأهمية البرنامج، وجدية الحكومة في تطبيق المبادرات المختارة، والصادرة من المشاركين في برنامج "تنفيذ".

السطور أعلاه هي من المكاسب الفورية والواضحة للمشاركين، ولكن بسبب "طمعنا" كمتابعين نتمنَّى أن تكون المكاسب شاملة ومتكاملة، ويكون بعضها متوسطًا وطويلَ المدى ومستدامًا؛ لتعم فوائده ومكتسباته ليس للمشاركين فقط، بل يلامس تطلعات كل من في هذا الوطن الغالي من مواطن ومقيم في شكل حزمة متكاملة من القرارات والتشريعات المزيلة للعراقيل والبيروقراطية، والابتعاد عن التقوقع والتوافق مع منظومة متغيرات العصر المتسارعة؛ مما يضمن خروجنا من عنق الزجاجة، وانطلاقنا إلى آفاق أرحب، والذي حتما سيؤثر إيجابا في كل بقعة من بقاع السلطنة، خاصة إذا ما علمنا من مُختبرات "تنفيذ" أنَّ الشركات والمؤسسات والهيئات الحكوميه نفسها تُعاني من بعضها البعض، وهناك أمثلة كثيرة تجلت من خلال المختبرات.

وأخيرا وليس آخراً، نتمنَّى من وحدة التنفيذ والمتابعة الوليدة أنَّ تتابع كل القطاعات الممكنة للتنويع الاقتصادي، ولا ينحصر دورها على القطاعات التي تم تداولها في "تنفيذ".