حَمَد العلوي
قبل عِدَّة سنوات دعتني الجمعية العُمانية الفلكية، لأقدِّم ورقة عمل عن التلوث الضوئي للسيارات؛ وذلك في جامعة السلطان قابوس، وكان هذا الموضوع رغم أنَّه شيِّق، إلا أنَّه كان شائكاً لصعوبة الحصول على المعلومات، ولكن بفضل التعاون الذي كان قائماً بين مركز طريق الأمانة الذي أمتلكه، والمعهد الدولي للعلوم الأمنية/فرانكفورت بألمانيا؛ حيث فتحنا باباً للتعاون التدريبي؛ فطلبت من مدير المعهد ذات الأصول العربية، أن يزودني بمعلومات عن التلوث الضوئي، فاكتشفت كمًّا هائلاً من المعلومات عن التلوث الإشعاعي للضوء، وإن لديهم قانونا خاصا بالتلوث الضوئي؛ فعلى كل حال مضيت "أنا" في ورقتي عن التلوث الضوئي، وقد شارك آخرون بأوراق أخرى.
ولكن كانت هناك ورقة لبروفيسور (هندي) من جامعة السلطان قابوس، تبدو في ظاهرها بعيدة عن موضوع التلوث الضوئي، فهي ورقة تُعنى بأسباب التصحر، فجذبني هذا العنوان رغبة مني في التعرف على موضوع التصحر؛ فبمجرد سماع عنوان كهذا يقفز إلى الذهن، صورة نمطية عن الصحراء وجدبها، وإن في الأمر حتماً شيء يهدد الرقعة الخضراء من الأرض، وكان يرتسم في ذهني أنَّ التصحُّر يأتي نتيجة عوامل وأسباب طبيعية، كزحف الرمال على المساحات الخضراء، وانقطاع نزول المطر أو نضوب وجفاف مصادر المياه، فتتحول الأراضي إلى أرض بور غير صالحة للزراعة مثلاً، ولكن الأمر وجدته بعيداً كل البعد عن تفكيري، وإن كانت النتائج هي ذاتها، غير أنَّ أسباب التصحر تبدو كثيرة، كما بدا لي من محاضرة ذلك البروفيسور.
إذن؛ يقول البروفيسور الهندي إنَّ عملية التصحُّر تحدث نتيجة لتفاعلات مركبة، وإن التصحُّر ممكن أن يحدث في الأودية وبين الجبال، وليس في الأماكن المجاورة للصحاري، والرمال المتحركة، فقال إن استخدام الإضاءة بطريقة غير صحيحة، حتماً يتكون عنها سبباً رئيساً في إحداث التصحُّر، فكانت الدُّهشة كبيرة على الحضور، وكان عدد الحضور مع خمسين شخصاً تقريبًا، وكعادة العرب لا يحضرون مثل هذه المحاضرات بأعداد كبيرة؛ لذلك تلك المعلومة عن التصحُّر لم تنتشر بقدر أهميتها.
فيقول المحاضر إنَّ الإضاءة الخارجية تتسبَّب في التصحُّر على النحو التالي، إن الناس يستخدمون الأنوار الباهرة خارج المنازل، وفي الباحات العامة المكشوفة، بطريقة مضرة بالبيئة، ولو استخدموا الأنوار المخفية في أنبوب معدني؛ بحيث يخفي قلب السراج لمصدر الضوء داخله، وكذلك يُقفل منفذ الضوء بلوح زجاج، فيترك يُرسل الضوء إلى الأسفل حتى ينتشر على سطح الأرض؛ بحيث نرى الضوء، ولا نرى مصدره؛ فهذا الأسلوب يحمي البصر أولاً من الشعاع الضوئي، وكذلك لا يقضي على الفراشات، وباقي الحشرات الطائرة، ونحن لا نعرف قيمة هذه الحشرات، ولا نكترث لمنظرها، وهي تنجذب نحو الضوء فيحرقها، وعندما نأتي في الصباح الباكر، نجدها وقد تكوَّمت في جوار الإضاءة الحارقة، وقد يكلفنا الأمر أن نكنسها من فناء المنزل، ونرميها في صناديق القمامة؛ وذلك دون أن يُثير موتها اهتمامنا، ولا نظن أنَّ لها أثراً حيال البيئة الفطرية، ونستبعد أن يكون لهذا الفعل أي ضرر آخر.
ولكن البروفيسور الهندي -الذي كان يبدو من اسمه أنه غير مسلم، لذلك يتوقع أنه قد قرأ القرآن الكريم، فعلم أن كل شيء في هذا الكون فلم يخلق عبثاً، وإن كل شيء خلق بميزان، كقوله تعالى:"أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ" (المؤمنون:115) أو قوله: "وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (الذاريات:49)، ولكنه اتبع منهج العلم حتى توصل إلى هذه المعرفة، أما كان يفترض بنا نحن المسلمين أن ندرك حكمة الله في خلق الكون، وأن نعلم بتوجيه القرآن إن في هذه الحياة أزواج، أم أننا تكفلنا بتلقيح النخيل، لأن في ذلك علم مُتناقل علمناه بالوراثة، وهو ليس إبداعا منا أو اكتشافا قمنا به، ثم أنكرنا زواجية بقية الأشجار، لأن الله عز وجل، أوكلها لقوم آخرين من خلقه.
إذن؛ التسبُّب في إفناء الحشرات بقصد أو بغير قصد، وهي المكلفة بمهمة ربانية لتلقيح الأشجار والنبات في الأرض، وإن تناقصها في البيئة يضر ضرراً كبيراً بالحياة الفطرية، وإن هذا الضرر ينعكس سلباً على البيئة، وسنعرف ذلك عندما تبدأ الأشجار والنباتات، وبقية الزهور في التناقض، والانقراض تدريجياً من البقاع الخضراء، فعندئذ يضعف نزول المطر أو يندر، ذلك ما سيحدث التصحُّر القسري في الطبيعة؛ لذلك يجب العمل الفوري، وقبل فوات الأوان وصنع التصحُّر بأيدينا، بحيث تشن حملات تثقيفية من قبل المعنيين، تشمل القرى والمناطق الريفية أولاً، ومن ثم المدن الكبيرة؛ بهدف تصيح طريقة الاستخدام للإضاءة الباهرة والمكشوفة، وأن يساعد الناس على معرفة الإضاءة الصديقة للبيئة.
اللهم إني قد بلغت ما علمت، فاشهد على من علم ولم يفعل شيئاً لأجل الوطن، وإرضاءً للضمير من ثقل الواجب؛ فالواجب لا يحتاج إلى توجيهات أو استشارة للقيام به.