هموم بحرينية غير سياسية يثيرها "جايتكس"

 

 

عبيدلي العبيدلي

على الطريقة البحرينية، أثارتْ مُشاركة البحرين في معرض "جايتكس" مجموعة من الهموم البحرينية، التي لم تكن هذه المرة، بخلاف مما قد يتبادر إلى ذهن القارئ، سياسية. كانت الهموم تقنية بامتياز، تفوح منها رائحة نكهة اقتصادية، لكنها هي الأخرى، تقنية في جوهرها. لقد ألحت تلك الهموم على القائمين على الرواق البحريني في "جايتكس"، حتى تحولت إلى ما يشبه جلسات الحوار المستمر، لكنها المثمر والمتطور في آن.

أربعة أسباب رئيسة تقف وراء تلك النقاشات التي صبت جميعها في إناء واحد يتمركز حول مستقبل صناعة تقنية المعلومات، والحيز الذي ينبغي لها أن تشغله في مسيرة التنمية البحرينية على طريق الوصول إلى "رؤية 2030"، بشكل سلس، ودون التفريط في صناعات أخرى، بل على نحو متكامل معها.

أول تلك الأسباب هو الدور الإيجابي الملموس الذي يمارسه "تمكين" من خلال الدعم الذي يقدمه لـ"الرواق البحريني" في جايتكس. لا يقتصر هذا الدعم على الجوانب المالية المحضة، بل يتجاوزها إلى مستوى الاستشارة، والمشاركة، بل وحتى تقديم المقترحات، وتوجيه حركة "الرواق" واتجاهها. محصلة كل ذلك علاقة ناجحة ومثمرة تستحق، ليس الإشادة فحسب، وإنما التطوير المستمر أيضا، كي يتسنى لها الارتقاء والنمو على حد سواء.

ثاني تلك الأسباب هو بلوغ المشاركة البحرينية في "جايتكس" عامها العاشر. هذه يؤكد على أن هناك خبرة غنية، وإنجازات ملموسة يبلغ عمرها عقدا من المشاركة المتواصلة التي دشنتها الحكومة الإلكترونية، قبل أن تتحول المشاركة إلى رواق تتوزع أجنحته على 30 شركة بحرينية من القطاع الخاص، ومجموعة أخرى من وزارات القطاع العام، ومعها باقة أخرى من المؤسسات الحكومية مثل "مجلس التنمية الاقتصادية". هذه السنوات العشر شكلت خميرة جيدة لمعرفة الحيز الذي تحتله حاليا، ويمكن أن تحتله مستقبلا في صناعة تقنية المعلومات الخليجية.

ويأتي ثالث تلك الأسباب ممثلا في مشاركة شركة الاتصالات البحرينية "بتلكو" في الرواق والذي يمكن النظر إليه من زاويتين: الأولى مبادرة ذاتية من بتلكو في إعطاء الرواق البحريني دفعة قوية من أجل موضعته في مكانة متقدمة على خارطة المشاركين في جايتكس. أما الثانية، فهي قدرة الرواق بفضل النجاحات التي حققها على تشجيع بتلكو على المشاركة للاستفادة من الفرص التي تتيحها مثل تلك المشاركة.

أمَّا رابع تلك الأسباب، فهو مشاركة ست شركات بحرينية ناشئة، إضافة إلى الـ30 شركة التي عرضت في الرواق، في صالة "حركة الشركات الناشئة (Startup Movement) التي أطلقها جايتكس للمرة الأولى. هذه الشركات البحرينية الست شكلت ظاهرة بحرينية متميزة، لفتت لها الأنظار، وعكست، إلى حد بعيد، وجود نواة صلبة لصناعة تقنية معلومات بحرينية تتوفر فيها المقاييس الدولية، وربما الإقليمية المطلوب توفرها في أي خدمة او منتج توفره السوق البحرينية في سوق الاتصالات والمعلومات بشكل محدد.

ومن تشخيص الأسباب ننتقل إلى بث الهموم.

أول تلك الهموم وأشدها إلحاحا هو البحث عن إجابة شافية للسؤال الأكثر حضورا: من هي الجهة التشريعية المسؤولة بشكل مباشر عن تنظيم سوق الاتصالات والمعلومات البحرينية، ويتابع همومها بشكل يومي، ويغوص في تفاصيل احتياجاتها على الصعد كافة؟ نتوقع أن ينبري واحد من بين الصفوف كي يشير نحو "هيئة تنظيم الاتصالات". لكن مسؤولية هذه الهيئة محصورة في قطاع الاتصالات، ومن ثم فمن الخطأ تحميلها ما لا ينضوي تحت عباءتها. ومن الطبيعي أن يشير آخر نحو المجلس الوطني بحجرتيه: مجلسي الشورى والنيابي، لكن الحديث هنا عن هيئة متخصصة مهنية تنبثق من هذه المؤسسة، تكون مهمتها الوحيدة النظر في هذه السوق وتنظيمها كي يتسنى لها ممارسة دورها في الاقتصاد الوطني.

ثاني تلك الهموم هو من هي الجهة ذات العلاقة، بشكل مباشر وعلى نحو يومي، في الدولة عن صناعة تقنية المعلومات البحرينية؟ ليس هناك من بوسعه إنكار الدور الذي تمارسه هيئات مثل هيئة "المعلومات والحكومة الإلكترونية"، سويةً مع "اللجنة العليا لتقنية المعلومات"، لكن المسؤوليات الملقاة على عاتقهما بشأن تهيئة مؤسسات الدولة وتأهيلها في مجال تقنية المعلومات في إطارها الإستراتيجي الواسع، تحول دون التفاتها نحو القطاع الخاص، على النحو الذي يشبع دائرة احتياجات هذا القطاع، الذي بات ينمو بخطوات واسعة وسريعة على المستويين: الأفقي العام، والعمودي المتخصص.

ثالث تلك الهموم هو كيف السبيل إلى تجاوز صغر حجم السوق البحرينية بشكل عام، وسوق الاتصالات والمعلومات بشكل خاص؟ وهذا يطرح الحاجة إلى التفكير في تطوير صناعة تقنية المعلومات والاتصالات كي تستطيع المنافسة في السوق الإقليمية الخليجية، كخطوة أولى قبل الانطلاق نحو السوق العربية كخطوة للنظر في إمكانية السوق العالمية. هذا التدرج لا يسير وفق معادلة تتابعية، وإنما يمكن السير في طريقه عبر مداخل متوازية.

رابع تلك الهموم هو واقع منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة بسوق الاتصالات والمعلومات. هناك أكثر من هيئة وجمعية ومؤسسة لها علاقة بشكل مباشر أو غير مباشر بهذه الصناعة الناشئة والسريعة التطور والنمو على حد سواء. والمطلوب هنا البحث عن إطار تنسيقي كفؤ ومنتج ينظم أنشطة هذه المؤسسات، وينسق فيما بينها، ويحول دون استنزاف قواها في أنشطة تنافسية مرهقة من جهة، ويكون قادرا على ضمان تعاونها بشكل إيجابي فعال منتج جهة ثانية.

هموم بحرينية متتابعة، قد تبدو معالجتها سهلة، لكنها تبقى تحلق في أذهان المشاركين في جايتكس، وبحاجة إلى من يتوقف عندها ويوليها الأهمية والاهتمام الذي تستحقه.