حقيقة الانتماء

 

 

د. مُحمَّد الشعشعي

الكلُّ يجري وراء الحقيقة، ويريدها ويتمسك بها، والحقيقة هي مطابقة الفكر للواقع، أو أن الفكر لابد أن يُطابق الواقع، وقد تكون الحقيقة مُرَّة أحيانا، أو لا تقبلها النفس، أو لا ترغبها وتأبى منها، لكن لا مفرَّ من التعامل مع الحقيقة شاء من شاء وأبى من أبى لأنها الحقيقة.. والحقيقة خيرُ برهان.

تُرادفها كلمات نبيلة؛ مثل: الصواب، والصحيح، والسلامة والحق والصدق. وتضادها كلمات غير شريفة؛ منها: الزُّور، والباطل والخطأ، والخداع والغش، والكذب، والبهتان.

فالحقُّ بيِّن والزور بيِّن وما بينهما بيِّن؛ فمن منا لا يريد أن يكون تعامله صحيحا، وسريرته مملوءة بالنوايا الحسنة، وبحُسن التعامل وحب الخير والصدق، وخدمه الإنسانية السمحاء مُجسِّدا صفات الطيب والخلق في عقيدته منذ نعومة أظافره، وفي تعامله مع النواة الأولى التي يرتكز عليها المجتمع؛ وهي: الأسرة أو العائلة في نطاقها الضيق أو المحدود، فإذا انعكس أثر القيمة السامية على الأسرة أو المنزل أي تعامل الفرد في خطواته الأولى وفق مبادئ الحقيقة والصدق والصواب، ونبذ كل ما هو نقيض ذلك؛ فتصلح الأسرة، وتقوم على مبادئ العفة والصدق، ويكون تعامل الأسرة نابعا من نهر الثبات والاستقامة والبُعد عن مهالك الضلالة والزيف والكذب والبهتان والزور، نتحدث داخل محيط الأسرة الواحدة وفق أساسيات الأخلاق والأدب وحسن المعاملة، واحترام كل منا الآخر، فتُبنى أسر مستقيمة، تُسهم في بناء المجتمع بالمُثُل الراسخة المتينة، القائمة على قواعد الحقيقة الصلبة وشموخها المستنير بنور الحق والثبات.

فإذا صلحت الروح الذاتية للفرد، واستقامت الأسرة، فإنَّنا نخرج منها مجتمعا واعيًا وراقيًا ومتطورًا ومتوافقاً مع الأصالة والمعاصرة، أي مجتمع قائم على مبادئ المثل النبيلة، ومتخذا من معين العلم والتكنولوجيا المعاصرة منهاجا وسراجا منيرا.

وهذا المجتمع عليه أن يتعامل مع هذا الواقع، وأن يسلك طريق الصواب في الانتماء لهذا البلد، وأن لا يرضى بغيره أو سواه، وأن يعيش تحت مظلته: مظلة الأمن والأمان التي أرسى دعائمها مولاي حضرة صاحب الجلاله السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- فالعُمانيون منذ القدم شعب مُتماسك كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى؛ فالمصير واحد، والفرحة واحدة؛ سواء في السلم والرخاء، أو في الشدة والحرب.

فالحقيقة التي أنشدها في هذه السطور هي أن نكون صادقين في انتمائنا لروح الوطن الكبير وترابه الطاهر المقدس، وأن نبتعد عن كل أشكال الانتماءات الخارجية؛ سواء كانت قبلية أو طائفية أو مذهبية، وألا نتقبَّل مثل هذه التصرفات أبدا وإن كانت بداياتها فطرية وسليمة، أو أنها مجرد انتماءات شكلية أو صورية أو عائلية أو نسبية...إلخ، بل إنَّني أؤكد لكم أنَّ مثل تلك الولاءات الخارجية غير مقبولة على كافة المستويات، وفي الوسط الاجتماعي والشعبي؛ لذا يجب مجابهتها والتصدي لها على كافة الأصعدة وفي كل الميادين؛ لأنَّها تصرفات أو أفكار دخيلة علينا لا تقبلها التربة العمانية المتأصلة بقيم التكافل والتآزر والتكاتف بين أبناء هذا الشعب الأصيل في تعامله، والعريق في ماضية، والمستشرق لمستقبله.