التعمين والتنوُّع العرقي للوافدين

 

 

 

خلفان الطوقي

 

تمرُّ السلطنة -كباقي دول الخليج العربي- بمرحلة صعبة جدًّا بسبب تدني أسعار النفط، وبسبب ذلك تأثرت جميع القطاعات اﻹنتاجية دون استثناء بدرجات متفاوتة، وسيصل تأثيرها في أوقات مختلفة، بمعنى أنَّ هناك من أحس بتأثير اﻹنفاق الحكومي بشكل مباشر، وهناك من سيصله التأثير بشكل أو بأخر في وقت لاحق.

مثل هذه الأزمة الاقتصادية مرَّت على السلطنة في أوقات مختلفة، وأذكر على سبيل المثال أول أزمة بدأت في سنة 1976م، وخفض قيمة الريال العماني في سنة 1986م، وتدني أسعار النفط إلى أدنى سعر له في سنة 1988م، وتكررت سنة 1992م، وبعدها سنة 1994م، وأزمة سوق مسقط للأوراق المالية سنة 1997-1998م، واﻷزمة الاقتصادية العالمية سنة 2010م، وتدني أسعار النفط الحالية منذ يونيو 2014م إلى لحظة كتابة هذا المقال، هذه مجرد أمثلة، وكل أزمة كانت لها آثار وتداعيات، وسعت الحكومة بمحاولات ومعالجات لحلها حسب المعطيات المتوفرة، عموما خلال اﻷزمات تظهر بعض الفرص، فعند أي أزمة سيكون هناك بعض الخاسرين، وأيضا ستجد هناك بعض الرابحين، والخبر المفرح أنه عند كل أزمة سيكون هناك من المسؤولين الحكماء الساعين للتفكير خارج الصندوق، وسيلتف معظم الناس ويحاولون التعاون والتكاتف لإيجاد حلول مبتكرة للخروج من اﻷزمات بأقل اﻷضرار.

فبتكاتف الجهود وتنوُّع الرؤى، يُمكننا أن نجد حلولًا غير مطروحة في السابق، أو غير مدروسة بالشكل الكافي من جميع الزوايا، وفي هذا المقام أجدني كأحد المهتمين بالشأن الوطني أطرح إحدى اﻷفكار التي أراها عملية ومفيدة من نواحٍ اجتماعية واقتصادية وسياسية وأمنية، لعلها تصل للمسؤولين وتجد من يتبناها ويطورها لتحقق مبدأ توافقيا يخدم الصالح العام، وهي مُطبَّقة في بعض دول الخليج، وسوف أحاول في هذه السطور أن أطرحها وأشرحها للقراء الكرام.

فكما هو معروف أنَّ هناك توجها من أصحاب الأعمال في اختيار عمالة من جنسية أو جنسيات معينة، ولهم مبرراتهم الشخصية أو التجارية، يكمُن مُقترحي في أن تكون هناك نسب تحددها الجهات المعينة لكل جنسية، وأن لا تمانع هذه الجهات في استقدام أي جنسية يراها صاحب العمل مناسبة، شريطة أنْ لا تزيد على النسب المحددة سلفا لكل جنسية، وأن تكون هناك رسوم محددة للاستقدام كما هو معمول به الآن، وإن أصرَّ صاحب العمل على أن يتجاوز هذه النسبة في مؤسسته، فلا بأس في ذلك، على أن يدفع رسوما إضافية، وعلى كل عامل إضافي تتضاعف هذه الرسوم بشكل تصاعدي، على أن تُحوَّل هذه المبالغ الإضافية مباشرة لصندوق تنمية العنصر البشري العماني، الذي بدوره يُمكن أن ينفذ بشراكة حقيقية بين القطاع الحكومي (كمشرع للخطط والبرامج المطلوبة) والقطاع الخاص (كمنفذ لهذه البرامج وفق اشتراطات صارمة) وفريق عمل مشترك من المستقلين وأصحاب الخبرات كالجمعيات التخصصية والجامعات (كمشرفين ومقيمين) لفعالية هذه البرامج.

ومن الفوائد المرجوة لهذه المبادرة -كما أراها- تحقيق نسب التعمين الفعلية والحقيقية على المدى الطويل؛ من خلال التفعيل العلمي المناسب للصندوق المقترح أعلاه، أضف إلى ذلك التنوع العرقي والثقافي للوافدين الذي سيأتي بآثار إيجابية على المجتمع العماني بشكل كامل؛ من خلال تنوع اﻷفكار والرؤى من كافة الثقافات والبلدان التي تزيد من انفتاحنا وتطورنا وتنشيط الدورة الاقتصادية لدينا، وعلينا أيضا أنْ لا نُهمل باقي الفوائد المرجوة من الناحية الاجتماعية واﻷمنية التي يطول الحديث عنها، والتي ستُساعد تلقائيا بإتاحة اﻷرضية المناسبة للاستثمار الداخلي والخارجي.

أخيرا.. أكرِّر دعوتي للمسؤولين المعنيين من كافة الجهات الحكومية للاستفادة من التجارب الخليجية في هذا الصدد، وأدعوهم للمزيد من دراسة مثل هذه المقترحات والاستعانة الصادقة والاستماع الجدي لأصحاب الخبرات من التجار الموجودين في أرض الواقع وإلى غرفة التجارة والصناعة واللجان القطاعية والجمعية العمانية الاقتصادية وإلى الكتاب والمفكرين المهتمين بالشأن الاقتصادي للوصول لحلول توافقية وتكاملية لتأتي بعوائد للوطن والمواطنين والمقيمين.