فنون الحوار وأدوات الخطاب المتحضر

 

فيصل بن زاهر الكندي

تتطلب الحياة العصرية مزيداً من أدوات الخِطاب وفنون الحوار والنَّقد البناء لتداخل الحضارات وتنوع الأفكار والاتجاهات وحقيقة الأمر أنَّ الاختلاف في الرأي شيءٌ طبيعي ولابد منه لاستمرار الحياة والأخذ والعطاء بين البشر ويبقى مربط الفرس هو في طريقة إدارة الاختلاف الحاصل بطريقة بناءة تؤدي إلى تسوية يرضى بها الجميع وتؤدي إلى نتائج إيجابية خالية من العصبيات والعداوات.

الاختلاف مع شخص لا يعني عداوته ومُقاطعته فقد اختلف النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود والنصارى ولكنه لم يُظهر العداوة لهم ولم يُقاطعهم بل كان يُشمر عن ساعد الجد في دعوتهم وتوضيح الحق لهم وصابراً على أذاهم واستهزائهم به وبصحابته، هذا كان هديُه في الاختلاف مع غير المُسلم وكذلك مع المسلم فقصة الرجل الذي جاء وبال في المسجد ومعالجته للموقف بكل إنسانية ورحمة للبشرية ومراعاته للمشاعر والثقافات شيء ملحوظ جداً في سيرته صلى الله عليه وسلم.

ليس مهماً أن تتفق معي ولكن المُهم هو كيف تختلف معي وتنتهج المنهج الصحيح في إدارة الاختلاف بحيث لا تنال مني ولا تستنقص من قدري ولا تلمزني بالألقاب ولا تعاديني فإن فعلت ذلك فأنت تنأى بنفسك عن منظومة الحوار البناء إلى الحوار الهدام الذي يؤَجِجُ نار الاختلاف ويزيد الشُقة بيننا بل وتخرج نفسك من دستور القرآن الكريم ومنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم اللذين جاءا ليؤسسا المنهج الإنساني الرفيع  الذي يجمع النَّاس ويؤلف قلوبهم ويوحد كلمتهم ويلم شملهم ويجعل رأس التفاضل بينهم " التقوى".

إنّ مما يُؤسف له وقوع البعض في قضية سوء إدارة الخلاف سواءً أكانت القضية دينية أو سياسة أو ثقافية إذا ليس الهدف منها إلا الانتصار على الخصم ومعاداته  بالانطلاق من أرضية طائفية تحزبية عنصرية منهجها إطلاق التُّهم ونشر الإشاعات وهذا شيء مُلاحظ وجلي في الحروب الإعلامية التي تقع بين بعض الدول إبان الخلافات السياسية فكل طرف يحاول إظهار الآخر بموقف الضعيف الذي لا يملك حجةً دامغةً ولا دليلاً شافياً لإدعاءاته مما يُؤدي إلى فشل الحوار وعدم التوصل إلى نتيجة وحل للقضايا العالقة والتي تدوم لسنوات وربما لقرون.

الاختلاف الإيجابي لابد له من حوار بناء يكون هدفه التَّوصل لحل وسط يُرضي جميع الأطراف وألا يكون للعصبية الفكرية والمذهبية موضِع قدم فيها فهي سبب للشقاق والتفرق بل يجب أن يكون الاختلاف مبنياً على أرضية هدفها الوصول للحقيقة دون النيل من الطرف الآخر أو التقليل من أهميته بل يجب أن تكون بُغية الجميع الوصول للحقيقة فالحقُ أحق أن يُتَّبع وإن أتى من الخصم طالما يمتلك الدليل القاطع والحُجَةُ الدامغة.

يختلف النَّاس في العبادات ويختلفون في الثقافات فالتعامل مع أكثر من 6 مليارات شخص ليس بالأمر الهين فلكل واحدٍ أفكاره وثقافاته وعباداته بحسب ما وصله وتعلمه منذ الصغر والمطلوب منِّا شيئين اثنين أولهما توضيح الحق والصواب بالحكمة والموعظة الحسنة، ثانيا عدم إلزام الطرف الآخر بمعتقداتنا وأفكارنا وثقافاتنا فليس هناك شيء بالإكراه حتى الدين لا إكراه فيه وإنَّما يجب علينا البلاغ فقط وأما قضية الاقتناع والقبول فليست من شأننا.

الطريقة الصحيحة لإدارة فن الاختلاف هي في الاستماع الجيد للمُخالِف لاستيعاب فكرته ومقارنتها مع الحقائق الواردة ثم الرد عليه بالحكمة والموعظة الحسنة بحسب الحقائق التي نملكها حتى وإن صرخ في وجهنا وسبنا ونال منِّا يجب علينا أن نتمسك نحن بأدب الحوار إلى آخر دقيقة فالصراخ  سببه الإفلاس الثقافي والأدبي وصاحبه لا يملك ذرة من الحقيقة فهذه النوعية يجب أن نتعامل معها بحذر ودِقة متناهية حتى نوصل الفكرة إليه في قالب من ذهب لتكون سبباً لأن يقبلها ويقتنع بها فما خرج من القلب وقع في القلب.

الاختلاف ليس عيباً وليس شيئاً مذموماً وجديداً وإنما هو موجود منذ وجدت البشرية وإنما العيب هو في سوء إدارته لمصالح شخصية تتدخل فيها العصبية المذهبية والفكرية وغيرها التي تحول الخلاف إلى قضية فاصلة وخط أحمر للتعامل مع المخالف بل ومعاملته كعدو وخصم يجب مواجهته والوقوف ضِدَهُ في كل شيءٍ مما يتسبب في حدوث نتائج سلبية يتضرَرُ منها الجميع ولو أننا قبلناهُ كما هو ونصحناهُ ووجهناهُ وبينا له الحقائق بطريقة صحيحة لكانت النتائج إيجابية ولتحول الخلاف إلى وئام.

 

تعليق عبر الفيس بوك