صديقان افترقا.. وقليلا ما يلتقيان

 

 

 

وديع اللواتي

يُحكى عن صديقين حميمين كانا دوماً معاً. يمشيان معاً، يخططان معاً ويساعد كل منهما الآخر؛ فقد كان كل واحد منهما يُكمل الآخر، فما يحتاجه أحدهما يجده عند الآخر.

استمرَّ هذا الحال بين الصديقين رِدْحاً من الزمن بعلاقة لا تشوبها آية شائبة حتى كانا مضرباً للمثل في النظام والتلاحم وقوة الصداقة بينهما. ولكن يقولون "دوام الحال من المحال"؛ إذ إنَّ البعض حاول جاهداً التفريق بينهما ولكل أسبابه الخاصة به وللأسف قد نجحو. إذ أقنعوا أحد الصديقين بالسعي نحو المال والسلطة والشهرة وأنه ليس بحاجة لصديقه، صديق العمر وفي حال كان لا بد من وجود صديق فهناك الكثير من الأصدقاء حول العالم يُمكنهم تعويض مكان صديقه وهذا الذي حصل. فمع تطور فكر "هذا الصديق" وزيادة نفوذه وانبهاره بأصدقائه الجدد ما عاد يحتاج لصديقه القديم بل ما عاد يراه ذا فائدة ومنفعة؛ إذ أصبح عبئاً ثقيلاً عليه يحس بالحرج أمام الكل من صداقته. وظل الحال على هذا النحو والتباين بين الصديقين يتَّسع والفجوة تتزايد بشكل متسارع ومخيف، وما عاد بين الصديقين سوى بعض الجلسات التي يلتقيان بها، ويذكران الماضي بينهما ويعاتب أحدهما الآخر، ويتفقان على بعض الحلول لرأب الصدع بينهما، ولكن كما يقولون "كلام الليل يمحوه النهار"، ولا يكون لكلامهما أي تأثير "لتعود حليمة لعادتها القديمة"، ويستمر كل منهما في طريقه ويبتعد عن الآخر.

إنَّ الصديقين اللذين أتحدث عنهما وأقصدهما؛ هما: التعليم، وسوق العمل.

فسابقاً كانت التخصصات تتناسب مع المطروح في سوق العمل، وكانت المؤسسات تزخر بالموظفين العمانيين ولكن حالياً بتنا نشاهد تخصصات لا تجد لها مكاناً في سوق العمل، بل والأدهى من ذلك باتت المؤسسات التعليمية تبحث عن العمالة الوافدة ولا توظف عمانيين إلا لاستيفاء شرط التعمين فتضعهم في أدنى الوظائف دون آية مميزات آو حوافز، بالمقارنة مع ما يُمنح للوافدين ليصل عدد الباحثين عن عمل إلى أرقام مخيفة ويزداد عدد الأجانب عن النسبة المحددة حتى كادوا يقاربون نصف عدد سكان السلطنة ويضطر بسببها المواطن للقبول بآية وظيفة حتى لو لم تكن في مجال دراسته فهي أهون من الجلوس في المنزل والسؤال الذي يتبادر في ذهنه: أهذا هو نتيجة دراسة مضنية لخمس سنوات مع كل ما عانيته من مؤسستي؟ أمن أجل هذا بذلت ذاك الجهد وسهرت الليالي للامتحانات والبحوث؟ هل هذا هو ما دفع آهلي من أجله وتحملوا نفقات دراستي؟ تغربت عن أهلي ومدينتي لأكون عالة على مجتمعي أو تحت رحمة وافد يتحكم في مصيري؟ أوليس هذا هو واقع مخرجات التعليم في أيامنا هذه؟

العديد من التخصصات ما بات هناك أي احتياج لها في حين نجد العديد من المؤسسات تستجلب كل أجنبي ووافد وتغدق عليه بالامتيازات حتى تجده يحصل على ما لم يحلم به يوماً وما كان ليحصل عليه في بلده بمنتهى الراحة والسهولة.

لا أُريد آن أكون سلبياً أو صاحب نظرة سوداوية بل أدعو للواقعية. أدعو لجلسة مصارحة بين القطاعين، تحديد مواضع الخلل، الاتفاق على الحلول والأهم من ذلك هو تنفيذها وتطبيقها لا أن تظل حبراً على الورق. آن الأوان لمراجعة التخصصات المطروحة، إلغاء بعضها واستحداث غيرها. كما آن الأوان لإحلال الكفاءات الوطنية محل الوافدة؛ إذ أثبتت هذه الكفاءات المحلية قوتها وتفوقها في شتى المجالات ولا تحتاج إلا لدعمنا ومساندتنا لهم.

إنَّ الأوان لم يفت بعد فنواقيس الخطر ما زالت تدق وما زال هناك مُتسع من الوقت لاتخاذ حلول ناجعة تعود بالفائدة علينا كمواطنين وعلى بلدنا المعطاء الزاخر بالخيرات والكفاءات، وقبل أن نصبح دولة يكون فيها المواطنون هم الأقلية، ويكون سوق العمل عبارة عن لوبيات تتحكم به، بل وقد تطلب حقوقاً كالتجنيس والتمثيل في المؤسسات الحكومية؛ فيكون منهم وزراء ووكلاء وممثلون في مجالس الشورى...وغيرها، وهذا غير مُستبعد، إضافة لإثرائهم بلدانهم بالأموال التي يرسلونها (وهي خسارة اقتصادية كبيرة للسلطنة)، ويعودون لبلدانهم محملين بخبرة كبيرة يُسهمون بها في تطوير بلدانهم، في حين يظل المواطن غير ذي خبرة. أليس كل هذا خسارة كبيرة لنا؟!