المعتصم البوسعيدي
"أن تُشعل شمعة، خير من أن تلعن الظلام" مقولة نقتبسها لطردِ هاجس سلبي، نُرددها لقهرِ واقع صعب، ونُعلقها أحلاما وردية نلملم بها حقيقة مؤلمة، لو أنَّ البكاء يصنع مُستقبلا أو يرد حقوقا؛ لما احتاج "المهلهل" إلى أن يترك كأسه ويهجر نواحه وذكرياته، لكنها أفعال الرجال -والنساء حتى لا أتهم بالتعصب- مفتاح العمل والتغيير.
لا نُزايد على أنفسِنا ولا نُكابر على واقعِنا الكروي، تحديات جسام تزيد الوهن ضعفا؛ فمن أندية تائهة إلى تصنيف منتخب "يهرول للوراء"، وحتى لا أُناقض مبدأ حديثي الأول ولا أسمح للظلامِ أن يسود، فثمة طريق طول يحتاج أكثر من مجردِ شمعة تذوب فلا يبقى نورها ولا يأتي على ذكرها أحد بعد حين، قاسية هذه الدنيا رغم عدالة الحياة، قاسية كرة القدم رغم عدالة اللعبة، خرج منتخبنا الناشئ من ثُمنِ نهائي البطولةِ الآسيويةِ وفقدنا بطاقة "مونديالية" كُنا الأقرب إليها في ظلِ أداء جميل وهدف تقدم في وقت مثالي، لكن ضربات الترجيح حكمت، وبحكمها نحن ارتضينا رغم "لو" الحسرةِ والألم.
أعتقد من الإنصافِ والحق ونحن نتحدث عن النور والظلام، ان نُشير إلى المدربِ الوطني وما يقوم به وما يحققهُ من إنجازات، خاصة على مستوى الفئات العُمرية في الفترةِ الأخيرة -على أقل تقديرـ ومع كل المُهمات التي تؤكل إليه، صحيح أن التدريب "لا جنسية له"، ومن الواجب أن نقول ذلك في صفِ المدرب الوطني لا في تبرير بعض المقارنات من هُنا وهناك، "إني كمصباحِ الطريق، أبكي ولا أحدَ يرى دمعاتي" أكثر تشبيه يُمكن ان أقوله لهؤلاء المدربين الذين جاء منهم يعقوب الصباحي "العراب" الجديد في كرة عُمانية تعاود النهوض وتلتمس الطريق لغدٍ أفضل.
تكمنُ أهمية أن يكون لديك منتخب ناشئ جيد في الحفاظ عليه وديمومته، وعدم الاستعجال في خطواتِ تدرجهُ من فئة لأخرى، وهذا ما نجحنا في تحقيقهِ مع "الجيل الذهبي" والأمر ذاته نجح مع المنتخب الإماراتي الحالي، والأمر بحاجة -أيضًا- لمسابقات قوية وتوافق في الرؤى بين المنتخب والنادي، وبالتأكيد فإنَّ العنصر البشري من اللاعبين يجب أن يعي معنى أن يكون لاعب كرة قدم ويحب أن يكون كذلك، عليه أن يستشعر قيمة تمثيله للوطن، وأجزم بأنَّ زرع المعرفة وتنمية الفكر وإلغاء معادلة عتيقة في التخيير "الكرة أم الدراسة" سيختصر مسافات شاسعة لتكوين قاعدة حقيقية لمنتخب قوامه لاعب محترف حتى في ظل عشوائيات وهواية كُرتنا المحلية.
اليوم.. ونحن نمتلك مصدرَ الضوء لكل المتاهات الموجودة والمقبلة، أتمنى -شخصيًّا- أن يتم التعامل مع المنتخب "كسلعة" باتت لها قيمة وتحتاج للتطوير والتحسين والإضافات، دون إغفال الجانب الإنساني، فقد ذكرَ يومًا الكابتن القدير ولاعب منتخبنا السابق ناصر حمدان في حلقة نقاش أقامها القسم الرياضي بالرؤية "أنهم كانوا يعلمون النشء مع كرة القدم وأساسيتها سلوكيات وعلوم تربوية وحتى دينية"؛ فبنوا ثقة مع أولياء الأمور، كما بنوا لاعبا وإنسانا مسؤولا، وتظل الحاجة مستمرة لتجويد العمل بالمعايير العلمية والتجربة العملية.
المثل الإيطالي يقول: "الضوء نصف رفيق"، ومنتخب الناشئين ضوء أول في طريق طويل سيكون فيه -بلا شك- جدران تحجب النور ولا بأس فأمل دنقل يقول: "ربما لو لم يكن هذا الجدار ما عرفت قيمة الضوء الطليق"، وعمومًا يبقى الحفاظ على هذا الفريق أولوية كبيرة لمجلس إدارة اتحاد كرة القدم العُمانية القادم، وحين ندرك أنَّ منتخب الناشئين منحنا الضوء الأول في طريق مظلم؛ فلنعمل على تحقيقِ مقولة الأمريكية من أصل إفريقي إيلا بيكر الناشطة في حقوق الإنسان: "امنحهم الضوء وستجدهم يجدون الطريق".