علي بن مسعود المعشني
تابعت – كغيري – الخبر الصحفي الذي نشرته صحيفة الحياة الصادرة من لندن.. مضمونه القبض على شاحنة تحمل أرقاماً عُمانية على الحُدود العُمانية اليمنية محملة بالأسلحة والمُتفجرات وفي طريقها للحوثيين، كما ادعت الصحيفة.
كما حملت وسائل التواصل الاجتماعي كذلك رسالة بالصوت والصورة منسوبة للأمير محمد أبو أيديه العطوي أمير قبائل بني عطية بالمملكة العربية السعودية إلى جلالة السُّلطان قابوس المفدى – حفظه الله ورعاه – يصف فيها السلطنة بالتخاذل والغياب عن الصف الخليجي و"يحذرها " من عواقب ذلك.
التضليل والفبركات الإعلامية من صفات وسلوك الإعلام الموجه الرسمي الفاشل والخاص المرتزق والذي يُديره مال الدعم ويُشكل بنيته وهويته وهواه ورسالته، وبالتالي فإنّ نشر خبر كاذب ودعمه بصور كاذبة يُعد من الجرائم الأخلاقية الكبرى والتي توجب المقاضاة قبل أن تُعد من الجرائم والسلوكات المُخلة كثيرًا برسالة الإعلام وفلسفته. فقد تبين للعوام سريعًا أنّ الصور المنشورة للأسلحة المزعومة هي صور لشاحنة قبض عُليها على الحدود السودانية قادمة من ليبيا، كما نشر في صحف منذ شهور خلت. كما أنَّ كلام الشيخ في رسالته الموجهة تبرهن بأن الرجل يعيش في كوكب آخر ويستقي معلوماته من مصدر واحد ويُعيد تكرار ما يتداوله العوام من انطباعات وتحليلات عفوية يُشكلها عقلهم الجمعي البسيط فيصدقونها ويلوكونها في مجالسهم كنوع من الوجاهة الفكرية وفضول التميز والمعرفة لدى البعض ممن يتعاطون مع النتائج ويجهلون الخلفيات والأسباب فتتوه بهم السُبل وتغيب عنهم الحقائق والمُسلمات فيبسطون الجهل ويكرسونه بقوة بين الأجيال. فما نشرته الصحيفة "العريقة" وماتحدَّث به الشيخ والأمير الجليل هو أمر خطير في العلاقات بين الدول ولا يُمكن السكوت عليه وجعله معالجة صحفية وحديث خيمة فالأعراف الدبلوماسية في هكذا حالات تقتضي المُعالجة وسلك طُرق متعارف عليها بين الدول كالاحتجاجات الرسمية والبيانات الرسمية الموضحة لهكذا حالات وخطورتها، قبل التصعيد – إن ثبتت التهمة – والدخول في تفاصيل العلاقات الدبلوماسية من استدعاء السفراء أو سحبهم أو تقليل التمثيل الدبلوماسي أو قطع العلاقات وصولًا إلى مراجعة المصالح المشتركة وهكذا.
الغريب في الأمر أنّ ما أوردته الصحيفة وما تحدث به الشيخ لم تتحدث به وسيلة إعلام رسمية خليجية واحدة (مقروءة أو مسموعة أو مرئية) ولم تنفرد به الشقيقة السعودية (موطن الصحيفة والشيخ) كما لم يصدر شيء عن حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي كطرف معني ومُباشر في الأزمة اليمنية ومتضرر طبيعي من السلوك العُماني إن كان على ما تصفه الصحيفة والشيخ.
موقف السلطنة من الأزمة اليمنية واضح كوضوح الشمس وعبر عنه جلالة السلطان ومعالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية بلا تورية أو خجل، وتفهمه الأشقاء في مجلس التعاون والأصدقاء المعنيون بالأزمة اليمنية بل وحتى أطراف الصراع اليمني أنفسهم، ومنذ اندلاع الأزمة والسلطنة حاضرة وبقوة في جميع مفاصلها وأطوارها بإيجابية تامة، سواء بالرعاية السياسية أو بالدعم الاقتصادي الضروري لحياة اليمنيين أو بالدعم الإنساني لعلاج الجرحى والحالات الإنسانية وكل هذا على مرأى ومسمع من الجميع، فهي مواقف تمليها الضمائر الحيَّة قبل أن تمليها قواعد السياسة ومتطلبات الأمن الوطني ونواميس التاريخ ودول الأيام.
فالموقف العُماني من الأزمة اليمنية تشكل من ذات الأسس التي أنضجت الموقف العُماني من الحرب العراقية الإيرانية ودفعت به على سطح الأحداث ليشكل طرفًا وسيطًا ونزيها ومقبولًا من طرفي الصراع دون سواه، وهو ذات الموقف الذي تشكل منذ غزو الكويت ولغاية تحريرها، مرورًا بقرار عزل مصر من الجامعة العربية وحرب الانفصال في اليمن عام 1994م، وصولًا إلى ماسُمي بالربيع العربي وتفاصيله ومراحله وأطواره.
فالسلطنة لاتحتاج إلى شهادات براءة أو صكوك غفران من أحد، ولا يغير من ثوابتها السياسية خبر أو تلفيق أو تضليل أو تهديد أو ترغيب، ويكفي أنَّ صناع السياسة وأصحاب القرار في المنطقة والوطن العربي والعالم هم من يدركون سياسة السلطنة وثوابتها، لذا فهم ليسوا بحاجة إلى مُتابعة ما يُنشر عبر الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، فالقنوات الرسمية والدبلوماسية مفتوحة ومتاحة بين البلدان.
يكفينا فخرًا في السلطنة أن جميع المواقف السياسية المتخذة من قبل حكومتنا الرشيدة تجاه الأزمات المختلفة تحظى بدعم وتأييد من جُل العُمانيين كونها مواقف تتناغم مع المزاج العام والعقل الجمعي للعُماني والذي جبل على السعي نحو الخير وتآلف القلوب وجبر الخواطر والاحتكام للعقل وتجنب تكرار عثرات التاريخ وهذا ما يُشكل مناعة طبيعية للنسيج المجتمعي العماني وبراعة سياسية تنبع من لب السياسة وعميق أسرارها.
قبل اللقاء: "لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه" (الإمام علي بن أبي طالب).