علماء سنوات التيه!!..

 

مسعود الحمداني

(1)

حين يتراشق بعض علماء المُسلمين بألفاظ (السوقة)، ويكفّرون بعضهم بعضاً، فعلى أتباعهم البسطاء السلام..وحين تظهر تلك النزعة الشعوبية الجاهلية في أبواق الإعلام فنحن أمام فصلٍ جديدٍ ومُتجدد من الفرقة، والشتات الذي تعيشه الأمة الإسلامية منذ قرون.. ذلك الشتات الذي لم يهدأ أواره، ولم تتبدل حلقاته، بل زادت ناره بزيادة جهل علماء الأمة وجاهليتهم، وانسياقهم خلف ساستهم، دون أن يكون لهم موقف واضح وصارم ومستقل تجاه ما يحدث..

رددوا شعارات الوحدة، ولكنهم في الواقع آمنوا بأنّهم (الفرقة الناجية) الوحيدة، وأنّ غيرهم في النَّار!!

 (2)

حين يُكفّر علماء المسلمين بعضهم بعضاً، ويستحلون دماء مخالفيهم، ويشرعنون لقتل أتباع المذاهب الأخرى، فنحن أمام مستنقع قذر آخر لا خروج منه، تغذّيه الفتاوى (المطبوخة) والجاهزة في فرن الساسة، وتتقاسم تركته السلطتان الدينية والسياسية، ويدفع ثمنه البسطاء من الناس، والتابعون الذين سلّموا أذقانهم دون تفكير إلى مجموعة من العلماء الذين يستخرجون من كُتبهم ما هم بحاجة إليه لـ (سد الذرائع)، ويفاجئون النَّاس بفتاوى شاذة، وغريبة كانت مخبأة لوقت الحاجة، وبعد ذلك يغلقون كيس العلم إلى أن تأتي (طلبية) أخرى.

(3)

حين يعتقد بعض جهلة الإسلام أنَّ الجنة تمر عبر جثث غيرهم من المُسلمين فنحن أمام محنة عظمى لا يعلم منتهاها إلا الله، وأن الزمن الذي نتخبط فيه، ونبيد فيه بعضنا بعضاً لن ينتظرنا، وأن التخلف والجهل يجرنا جرًا إلى أوكاره، وأننا سنعود إلى كهوف الجاهلية الأولى، ننظر إلى العالم من طرف خفي، خجلين من أنفسنا، وما اقترفته أيدينا، لأن الحياة بحاجة إلى الإنسان المُتحضر الذي يُعمر الأرض، وليس إلى الإنسان البدائي الذي يعيش وكل هدفه قتل مخالفيه في الفكر والرأي ليتفرّد هو وحده بحكم العالم.

(4)

اجتمع علماء المُسلمين أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة ليضعوا أُسس التعايش بين المذاهب المختلفة، وخرجوا بشعارات وقرارات لم ينفذ منها شيء، ووصفات (دينية) لا يُمكن أن تعطي مفعولها لأنّ بعض أولئك العلماء لا يُريدون أن يفرطوا بمكتسباتهم ونفوذهم ضمن هرم السلطة السياسية، ولذلك فإنّ التعايش والوئام يجب أن ينبع من أفراد المجتمع أنفسهم، ولا ينتظر قرارًا من أحد، وعلى الساسة ـ إنْ كانوا صادقين في استئصال الإرهاب ـ أن يقطعوا لسان كل عالم أو خطيب يكفّر أو يدعو لقتل أتباع الطوائف الأخرى..

المشكلة الحقيقية هي أن كثيرًا من هذه الطبقات السياسية والدينية تعتاش على هذه الخلافات وتغذيها لتبقى على قيد الحياة.

(5)

ذبح المسلمون الأضاحي في (العيد الكبير)، بينما روى آخرون عطشهم من دماء الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء من أتباع الفرق المخالفة، تقرّباً إلى الله باسم الدين، وحين كان الحُجاج يكبّرون في بطاح مكة، كان (مسلمون متعطشون للحور العين) في أماكن مُتفرقة يقصفون أطفال المسلمين، ويشردون نساءهم، ويكبّرون مع كل قنبلة، أو رصاصة، ويذكرون اسم الله عليها، ويتلون قوله تعالى: (وما رميتَ إذ رميتَ، ولكن الله رمى...)!!..

فأيّ جهل يرتكبه هؤلاء باسم الله؟!!

(6)

جاء العيد..ذهب العيد..وما ترك خلفه غير أثر لا يعود..

ربما سيطرق العيد أبوابنا ذات يوم..ولن يجد أحداً بانتظاره..هكذا هي سيرة الحياة!!.

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com