أسباب أزمة الرأسمالية العالمية 1/2

 

عبيدلي العبيدلي

في كتابه "مقدمة قصيرة عن الرأسمالية"، الصادر عن دار الشروق، يعرض أستاذ الاجتماع في جامعة ليستر البريطانية جيمس فولتشر "مختلف أشكال الرأسمالية في أكثر من دولة، مستخدماً أمثلة مفصلة، من شركة الهند الشرقية وحتى الحديث عما إذا كانت الرأسمالية هي السبب في بعض الأزمات الاقتصادية الأخيرة. يكشف فولتشر في كتابه عن تطور الرأسمالية، وكيف انتقلت من داخل حدود الدولة القومية لتغزو العالم بأكمله".

لكن ما هو أهم من ذلك هو، ما ذهب إليه فولتشر في ص 176، وتحت عنوان فرعي "أزمة النهائية"، عند قراءته لـ "فشل الرأسمال العالمي في الدخول إلى عهد جديد من النمو الثابت المطرد، .... وانفجار كثير من الفقاقيع الاقتصادية المختلفة، (الأمر الذي دفع) ببعض المحللين إلى افتراض أن نظام الاقتصاد الرأسمالي العالمي يعاني من أعراض انهياره النهائي الأبدي، وأن ينزلق إلى أزمته النهائية التي ستقضي عليه، (مضيفا) بدت فضائح إنرون ورلد كوم شديدة الخطورة على وجه التخصيص؛ فقد هددت الأسس المعيارية للرأسمالية".

وليس فولتشر هو الوحيد الذي بدأ يتحدث عن الأزمة الممسكة بخناق الرأسمالية المعاصرة، بما فيها نموذجها المعولم، إذ يشاركه في ذلك مجموعة من الباحثين الاقتصاديين، من أمثال المحاضر الاقتصادي في الجامعة اللبنانية الأمريكية سيف الدين عموص، والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد في العام 2006، إدموند فيلب، حيث يقولان في مقالة مشتركة لهما "مرة أخرى تبرز قضية مستقبل الرأسمالية. فهل تنجو الرأسمالية من الأزمة الحالية وتستمر على هيئتها الحالية؟ وإذا لم يتحقق هذا، فهل تعمل على تحويل نفسها أم أنّ زمام المُبادرة سوف يكون بين أيدي الحكومات؟ (ثم يضيفان) كان مصطلح (الرأسمالية) يعني نظاماً اقتصادياً حيث الملكية الخاصة لرأس المال والتداول الخاص له؛ وحيث يتسنى لأصحاب رأس المال أن يقرروا ما هي أفضل السبل لاستخدامه، وأن يستفيدوا من بصيرة رجال الأعمال والمفكرين المبدعين وأفكارهم الخلاقة. والواقع أن هذا النظام القائم على الحرية الفردية والمسؤولية الفردية لم يعط للحكومات مجالاً كبيراً للتأثير على عملية صناعة القرار الاقتصادي: فالنجاح يعني الربح؛ والفشل يعني الخسارة. ولا تتمكن الشركات من البقاء إلا إذا اشترى الأفراد منتجاتها طواعية ــ وخلافاً لذلك فإن مصيرها إلى الإفلاس السريع".

ويشارك هؤلاء الرأي بشأن الأزمة التي تعاني منها الرأسمالية اليوم، الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي الفرنسي، والذي شغل منصب رئيس الوزراء الفرنسي خلال الفترة 1988-1991، ميشيل روكارد، حيث نجده يؤكد ذلك في مقاله المعنون "الرسمالية بخيرها وشرها"، قائلا: " نجحت الرواتب العالية في دفع النمو، ولكنها تسببت في انخفاض المكاسب. ونظم حملة الأسهم أنفسهم في هيئة صناديق تقاعد، وصناديق استثمار، وصناديق وقاء. وبسبب الضغوط التي فرضها حملة الأسهم فقد هبطت مستويات تشغيل العمالة، وانخفضت حصة الأجور في الدخل الوطني الإجمالي بنسبة 10% على مدى الأعوام الثلاثين الماضية. وفي الدول المتقدمة بلغ عدد الفقراء العاملين 10-15% من قوة العمل، بالإضافة إلى 5-10% من العاملين العاطلين عن العمل، و5-10% آخرين انقطعوا عن سوق العمل تماماً. فضلاً عن ذلك فعلى مدى ربع القرن الماضي كانت أزمة مالية حادة ـ إقليمية أو عالمية ـ تنشأ كل أربعة إلى خمسة أعوام. وهبط معدل النمو السنوي إلى أدنى من 3% في المتوسط. واندلعت أزمة اليوم بسبب اتساع نطاق إخفاء القروض السيئة في هيئة مجموعات مركبة من الأوراق المالية المباعة في مختلف أنحاء العالم. وكان انتشار حالات الإفلاس سبباً في اندلاع أزمة ائتمان حادة، والتي أدت بدورها إلى ركود عميق وارتفاع حاد لمستويات البطالة".

أما الاقتصادي الشهير الدكتور نورييل روبيني، المعروف بين زملائه الاقتصادين بلقب "الدكتور شؤم"، فيعترف في صراحة غير مسبوقة، في مقابلة نشرتها له صحيفة وول ستريت جورنال، وبث جزءا منها موقع الدفاع عن الماركسية " http://www.marxist.com/2014-11-26-11-59-32.htm  " بعمق الأزمة المالية لعام 2008. وقد أعيد بث "شريط فيديو لهذه المقابلة الاستثنائية، والتي تستحق أن تدرس بعناية لأنها تظهر طريقة تفكير منظري الرأسمالية بعيدي النظر". يحذر  روبيني في تلك المقابلة، كما يقول ذلك الموقع، من "أن سلسلة الاقتراض مكسورة، وأن الرأسمالية قد دخلت في حلقة مفرغة حيث فائض الإنتاج وانخفاض الطلب على السلع الاستهلاكية، وارتفاع مستويات الديون تولد انعدام الثقة بين المستثمرين، والتي من شأنها أن تنعكس بدورها على شكل أزمة حادة في البورصة، وانخفاض أسعار الأصول وانهيار الاقتصاد الحقيقي، (ويضيف الموقع أن روبيني) مثله مثل كل الاقتصاديين الآخرين لا يمتلك أي حل حقيقي للأزمة الحالية، باستثناء الدعوة إلى المزيد من ضخ النقود من طرف البنوك المركزية لتفادي حدوث انهيار آخر".

وعلى المستوى العربي هناك ما طرحه الباحث الاجتماعي المصري السيد ياسين، الذي يقول في كتابه "أزمة العولمة وانهيار الرأسمالية" الصادر عن دار الشوق " ونظراً الى متابعتي تحولات المجتمع العالمي منذ نهاية الحرب الباردة، وزوال النظام الثنائي القطبية في العلاقات الدولية، وبروز النظام الأحادي القطبية، أدركت أن عصر العولمة يفجّر من المشكلات أكثر مما يقدّم من الحلول! ومن بين هذه المشكلات، أزمة السياسة التي من تجلياتها الانتقاص من سيادة الدولة القومية، وبروز حق التدخل السياسي، والعجز عن مواجهة ظاهرة الإرهاب العالمي. وإذا كنا أكدنا منذ زمن، أن عصر العولمة سيشهد مراجعات أيديولوجية شاملة، وأن عصر الهيمنة الأمريكية لا يمكن أن يستمر إلى الأبد كما كان يظن المحافظون الجدد في إدارة الرئيس بوش الابن".

هذا يعني، وكما يقول الكاتب عبد الله لعماري، إثر فضيحة (أوراق بنما)، "أن النظام المالي والاقتصادي العالمي المتحكم في المنظومة الدولية الراهنة، والذي هو من صلب النظام الرأسمالي الغربي، أصبح أوهى من بيت العنكبوت، لأنّ الدورة المالية العالمية قائمة على رواج الأوهام بالحسابات الوهمية، وبالأرصدة المشبوهة المكتسبة من الطرائق المشبوهة".