" يا ليتني كنت معهم" عبارة يهمس بها كثيرٌ منِّا ونحن نُودِّع ونشاهد أولئك الذين يشدون الرحال نحو بيت الله الحرام والبقاع الطاهرة المقدسة؛ لأداء خامس أركان الإسلام ممتثلين قول الله تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) فما أجملها من وجهة! وما أعظمه من مقصد!
" يا ليتني كنت معهم" عبارة تسكن في عقول وقلوب أكثر من عشرة آلاف مواطن ومواطنة لم تتم لهم الموافقة هذا العام لأداء هذه الشعيرة المُقدسة وفق النظام الجديد المتبع لتسجيل وتنظيم شؤون الحجاج الذي انتهجته وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ولكن ترديد هذه العبارة وهم بين أهليهم وذويهم وفي بيوتهم خير لهم من ترديدها وهم عالقون في الحدود تحت أشعة الشمس تتطاير في وجهوهم الرمال يمنة ويسرة كما هو حال تلك الآلاف التي عادت إلى بيوتها موسم الحج المُنصرم إثر الأزمة المعروفة.
وصدق الله العظيم القائل في كتابه العزيز: (... فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [سورة النساء : 19{ فالأزمة التي تفاقمت العام المنصرم وما سُمي بحملات الحج غير المعتمدة وما نتج عنها من إرجاع آلاف المواطنين إلى بيوتهم من غير أن تتحقق رغبتهم في أداء شعيرة الحج قد نتج عنها بفضل الله تعالى ميلاد عهد جديد في تسجيل الحجاج عبر نظام يضمن للجميع حقهم في أداء هذا الركن القويم وفق أسس وضوابط واضحة مُطبقة على كل الراغبين في أداء شعيرة الحج، ورغم أنّه نظام جديد تمّ تطبيقه هذا العام فقط؛ فإنّه يستحق الإشادة والتَّقدير فبهذا النظام تكاد تلك الأزمة التي بلغت حدها العام المنصرم أن تختفي تمامًا، كما أنّه نظام أسهم في خفض أسعار حملات الحج إلى نسبة تتجاوز 25% عند بعض الحملات.
ولا ريب أنّ هذا النظام الجديد إنما هو جهد بشري يعتريه النقص والقصور والهفوات والملاحظات ولا كمال إلا لله وحده، آملين من القائمين عليه السعي دوماً إلى تحديثه وتطويره نحو الأفضل أولاً بأول، والأخذ بجميع الملاحظات التي تردهم، والبحث في طرق أخرى تُقلل من الأسعار الحالية لحملات الحج.
وإلى كل من يحن فؤاده وتُحدِّثه نفسه بحج بيت الحرام ولم يكتب له نصيب بالحج هذا العام، فظل يحدث نفسه ليل نهار "يا ليتني كنت معهم " نقول له بأن نية المؤمن خير من عمله، والخيرة فيما يختاره الله لعباده، ومن لم يحج بيت الله الحرام هذا العام، فعسى أن يكون ممن كتب لهم ذلك العام القادم بإذن الله تعالى.
وحيث حجاج بيت الله الحرام ـ حفظهم الله تعالى ـ في تلك البقاع الطاهرة يستعدون لأداء مناسك الحج ركناً بعد ركن، فنحن هنا نعيش نفحات هذه الأيام المُباركة التي أقسم الله بها في كتابه العزيز : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ( وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [سورة الفجر : [1_2] وهي أيام ورد الحث فيها على كثرة ذكر الله تعالى والتَّقرب إليه بصنوف الطاعات والقربات فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ـ يعني أيام العشر ـ قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء"، فعلى المرء أن يغتنم فضلها دون تضييع أوقاتها، وألا يفرط في صوم يوم عرفة الذي ورد الحث والترغيب في صيامه، فقد ورد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم _ أنّه قال: " صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده."
فهنيئاً لمن حجَّ بيت الله الحرام، وهنيئاً لمن اغتنم فضل هذه الأيام المُباركة، وهنيئاً لنا جميعاً مُناسبة عيد الأضحى المُبارك، سائلين الله تعالى أن يحفظ أبناء هذا الوطن العزيز من شرور وآفات الطريق وكل مكروه، وأنَّ يُبلغهم هذه المناسبة السعيدة وهم بين أهليهم وذويهم في خير وسعادة وسرور... وكل عام وأنتم بخير.
عيسى بن علي الرواحي
issa808@moe.om