الارتقاء بالسياحة العربية وفق معايير العصر

عبيدلي العبيدلي

تصدَّرت الإمارات العربية المتحدة قائمة الدول العربية الأعلى دخلا من عائدات السياحة خلال العام 2015. فقد وصلت تلك العائدات إلى حوالى 16 مليار دولار، وجاءت بعدها المملكة العربية السعودية بعائدات بلغت حوالى 10 مليارات دولار، وحلت لبنان ثالثة بما يقارب الـ6 مليارات دولار. تثير هذه الأرقام -التي نشرها موقع فضائية روسيا اليوم (RT)، نقلا، كما يقول الموقع عن "منظمة السياحة العالمية"- مزيجا من الدهشة المصحوبة بالحسرة. الدهشة مصدرها غياب دول عربية تعتبر من الدول الأكثر شهره سياحيا على المستوى العربي مثل تونس التي جاءت تاسعا بدخل لم يتجاوز المليار ونصف دولار. أما الحسرة، فتعود لضآلة أحجام العائدات السياحية العربية مقارنة مع نظيراتها الدولية. فالولايات المتحدة، وهي التي تبوأت المرتبة الأولى عالميا، حصدت من السياحة ما يقارب الـ204.5 مليار، تليها في الترتيب الصين بحوالي 114 مليار دولار، وتحتل المرتبة الثالثة دولة أوروبية صغيرة هي اسبانيا بما قيمته 56.5 مليار دولار.

وترفع هذه الأرقام أيضا علامة استفهام كبيرة حول واقع السياحة في المنطقة العربية، التي يفترض أن تكون مكانتها السياحية الدولية متقدمة من حيث الدخل وعدد السواح. فإضافة إلى موقعها الجغرافي الإستراتيجي الذي يؤهلها لاحتلال مكانة متقدمة، هناك مقومات السياحة الأخرى التي تمتزج فيها السياحة الدينية بالسياحة الترفيهية، سوية مع السياحة العلاجية.

البعض يُفسِّر تراجع أرقام السياحة العربية، خاصة في دول مثل تونس ومصر والمغرب بمعاناة هذه الدول من تداعيات الحراك العربي الأخير الذي اجتاح البلاد العربي، خاصة مصر وتونس، وما ولده من أعمال عنف أدت إلى عدم الاستقرار الذي تبحث عنه السياحة بوصف كونه أهم عناصر ازدهارها. البعض الآخر يلقي بالتبعة على التراجع الكبير في أسعار النفط في الأسواق الدولية؛ الأمر الذي قلص من قيمة الإنفاق الحكومي على المشروعات، وانعكس ذلك سلبا بشكل مباشر، وغير مباشر على دخل الفرد العربي، مما كان له الأثر الكبير على حركة السياحة العربية.

كلا المنطقين يُشخِّص بعض تلك الأسباب لكنها ليست الأساسية، ومن ثم فأيٌّ منهما لا يثبت أمام حقائق تؤكد بؤس السياحة العربية، وتكشف عن سبب ذاتي تعاني منه، قبل اندلاع صدامات ذلك الصراع. فقد تداولت الصحف العربية بيانات في العام 2008 (قبل اندلاع الأحداث في المنطقة العربية) وردت في دراسة اقتصادية، أعدها أستاذ الاقتصاد هيثم عبد المجيد، وقامت بعرضها المنظمة العربية للتنمية الإدارية، توقعت "تراجعاً حاداً في حركة السياحة البينية بين الدول العربية بسبب التحديات السلبية والصراعات، إضافة إلى أنَّ حركة السياحة العربية تخضع لطبيعة العلاقات السياسية بين الدول العربية وظهور مقاصد سياحية منافسة تخطف السياح العرب مثل تركيا واليونان وقبرص ومالطا وتايلند. وأكدت الدراسة أن حركة السياحة بين الدول العربية لا تشكل سوى 42%من حجم السياحة العربية للخارج، مشيرا إلى أن هناك تنبؤات لمنظمة السياحة العالمية بانخفاض معدل السياحة البينية بين الدول العربية إلى 37% بحلول العام 2020".

أمَّا التراجع في حجم السياحة العربية جراء انخفاض الدخل العربي بسبب تراجع أسعار النفط، فتكفي العودة إلى ما جاء في تقرير نشره الكاتب أحمد عبد المقصود على موقع صحيفة الأهرام المصرية الإلكتروني كي نطل على "اعتراف المملكة المتحدة بفضل السائح الخليجي على زيادة إيراداتها من قطاع السياحة خلال عام 2015 حيث أكد مكتب الإحصاء البريطاني أن دخل مدينة لندن فقط من السياحة العربية وصل العام الماضي إلى ملياري دولار. وأن السائح العربي ينفق خلال مدة إقامته ضعف السائح الأسترالي وضعفي السائح الفرنسي والألماني، و(يضيف المقال) هذه الحقيقة أكدها أيضا تقرير دولى كشف عن ارتفاع إنفاق لأكثر من 77 مليار ريال سنويا. وأن السائحين العرب ينفق أكثر من 27 مليار دولار على السياحة العلاجية. ولهذه الأسباب نجد دول أوروبا تطلق من آن لآخر حزما من التسهيلات اللازمة لتحفيز العرب على زياراتها".

ومما يثبت أنَّ هناك أزمة حقيقية تعاني منها السياحة العربية، هو تعدُّد الندوات المحلية والعربية وورش العمل الهادفة إلى انتشال تلك الصناعة من أزمتها الخانقة. ومن أبرز تلك الفعاليات ندوة "الآفاق الاقتصادية والاجتماعية للسياحة في الوطن العربي" التي عقدت في الطائف بالمملكة العربية السعودية في 5 مارس 2015، والتي خرجت بتوصيات تؤكد على ضرورة البدء في معالجة تلك الأزمة من خلال "زيادة الاهتمام بالسياحة وتهيئة مؤسساتها. مع أهمية إتباع استراتيجية لتطوير قطاع السياحة، العمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة للسياحة التي يتناولها المجتمع وتثقيف المجتمع المحلي بأهمية ودور السياحة في ترقية حياة الفرد والمجتمع ... والتمتع بمعطيات سياحية ثقافية وتاريخية وجغرافية وبيئية وغيرها من المعطيات التي تؤهله للتنوع السياحي".

وتبقى قضية في غاية الأهمية، وهي أننا نحن العرب، إن أردنا أن نؤسس لسياحة منافسة في السوق العالمية، ينبغي علينا أن نعترف أننا لا نزال ونحن على أبواب العقد الثالث من القرن 21 نلج صناعة السياحة من أبواب القرون الوسطى، ومن ثم فإمكانات الفوز في المنافسة مع دول أخرى تنمي صناعتها السياحية على أسس، ومفاهيم، وقيم القرن الواحد والعشرين، ضئيلة. ومن هنا فأول خطوة على طريق إصلاح صناعة السياحة العربية، هي تهيئة الذهنية العربية ذات العلاقة بصنع القرار السياحي كي تكون على إنجاز هذه النقلة النوعية في التفكير، تكون متبوعة بالاستفادة من كل ما تحقق من تقدم في صناعة تقنية المعلومات والاتصالات خلال الربع القرن الماضي لصالح الارتقاء بأداء صناعة السياحة وتطوير مكوناتها الطبيعية والبشرية.