أكد أن الاقتصاد العماني يمتلك عناصر القوة اللازمة لمواجهة التحديات الاقتصادية الكلية

"المركزي": متانة القطاع المصرفي تدعم مبادرات التنويع الاقتصادي وتلبية الاحتياجات الائتمانية وتحقيق الاستقرار المالي

 

 

 

 

البنك المركزي ينتهج سياسة نقدية ملائمة تنسجم مع "سيولة مريحة" بالنظام المصرفي

نمو حجم الائتمان الممنوح بنهاية العام الماضي إلى 20.1 مليار ريال

16.1% متوسط نسبة كفاية رأس المال للأصول المرجحة بالمخاطر للبنوك التجارية

 

 

مسقط - الرؤية

 

 

 

يعرض التقرير السنوي للبنك المركزي العُماني تقييماً للتطورات الاقتصادية الكلية للسلطنة خلال عام 2015، إضافة إلى تحليل لأداء القطاعات الاقتصادية المهمة، والتي تمت تغطيتها في خمسة فصول هي: الإنتاج والتوظيف والأسعار (الفصل الثاني)، والنفط والغاز (الفصل الثالث)، والمالية العامة (الفصل الرابع)، والنقود والبنوك والمؤسسات المالية (الفصل الخامس)، والتجارة الخارجية وميزان المدفوعات (الفصل السادس).

وفي الفصل الأول يستعرض التقرير نظرة عامة ورؤية مستقبلية؛ حيث يتضمن موجزاً للتطورات على صعيد الاقتصاد الكلي في النصف الأول من عام 2016، ليعرض تقييماً للآفاق الاقتصادية المتوقعة في الأمد القريب. كما يتضمن التقرير السنوي، الميزانية العمومية المدققة للبنك المركزي العُماني، إضافة إلى أهم اللوائح والتعاميم التي أصدرها البنك المركزي العُماني خلال عام 2015، والنصف الأول من عام 2016.

 

 

النمو الاقتصادي

وسجل الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة تراجعاً في عام 2015 بعد خمسة أعوام متواصلة من النمو بمعدلات مرتفعة. ويُعزى هذا التراجع بشكل رئيسي إلى الانخفاض الملحوظ في أسعار النفط في الأسواق العالمية، بالإضافة إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من زيادة إنتاج النفط، تراجع فائض الميزان التجاري في عام 2015 على نحو ملموس تبعاً للانخفاض في أسعار النفط. وسعياً لاحتواء العجز في الموازنة، تم اتخاذ عدة إجراءات على صعيد ضبط المالية العامة الأمر الذي أدى إلى انخفاض المصروفات الحكومية بشكل ملموس. فقد سجل الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة تراجعاً بنسبة 14.1 في المئة في عام 2015. ويعكس هذا التراجع أداء مكونين رئيسيين من مكونات الطلب الكلي، هما الإنفاق الحكومي الذي انخفض نتيجة الإجراءات التي تم اتخاذها لضبط المصروفات الحكومية، إضافة إلى تراجع الصادرات خلال عام 2015م بعد أن سجلت نمواً مرتفعاً خلال فترة الأعوام الخمسة (2010-2014م) بلغ في المتوسط 11.3 في المئة.

ويعد السعي لإيجاد فرص العمل الملائمة للعُمانيين أحد الأهداف الرئيسية للحكومة على صعيد الاقتصاد الكلي خلال السنوات الأخيرة. ففي عام 2015، سجلت أعداد العُمانيين الذين تمَّ توظيفهم في القطاع الخاص زيادة بنسبة 6.1 في المئة.

وتراجعت حدة الضغوط التضخمية في السلطنة بشكل ملحوظ في عام 2015، ويرجع ذلك أساساً إلى انخفاض أسعار السلع في الأسواق العالمية وتراجع المصروفات الحكومية في السلطنة بالإضافة إلى الارتفاع الملحوظ لسعر الصرف الحقيقي الفعلي للدولار الأمريكي منذ منتصف عام 2014.

وتشير الأرقام إلى تراجع نسبة التضخم السنوية مقاسةً بالتغير في متوسط الرقم القياسي لأسعار المستهلكين في السلطنة لتبلغ 0.1 في المئة في عام 2015 مقارنة مع متوسط سنوي بلغ 2.5 في المئة خلال الفترة (2010-2014). ويُعزى السلوك الذي شهدته مستويات الأسعار في السلطنة مؤخراً إلى تفاعل عوامل الطلب والعرض النابعة من مصادر محلية وخارجية على حد سواء.

فمن جانب الطلب، يأتي تراجع الناتج المحلي الإجمالي الأسمي في السلطنة لعام 2015، والذي يعود أساساً إلى الانخفاض الحاد في أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية وسياسة ضبط المالية العامة التي اتبعتها الحكومة. ومن جانب العرض، أدى الانخفاض الذي شهدته أسعار الغذاء والمعادن في الأسواق العالمية بالتزامن مع انخفاض أسعار الواردات في عام 2015 إلى تراجع أسعار البضائع في السلطنة.

النفط والغاز

وواصل قطاع النفط والغاز لعب دوره البارز في المشهد الاقتصادي في السلطنة خلال عام 2015، فبعد أن شهد إنتاج النفط الخام زيادة طفيفة في عام 2014، تمكن من النمو بنسبة 4 في المئة في عام 2015 ليبلغ 358.1 مليون برميل. وسجل إنتاج الغاز الطبيعي زيادة بنسبة 5.6 في المئة ليصل إلى 39801 مليون متر مكعب في عام 2015 مقارنة مع 37682 مليون متر مكعب في عام 2014. وارتفعت الكميات المُصدّرة من النفط الخام بنسبة 5.6 في المئة لتصل إلى 308.1 مليون برميل في عام 2015، مقارنة مع 292.2 مليون برميل في عام 2014. وبخلاف الاتجاه الذي سلكه الإنتاج، سجل متوسط سعر خام النفط العُماني في عام 2015 تراجعاً بنسبة 45.3 في المئة وبلغ 56.5 دولار للبرميل مقارنة مع 103.2 دولار للبرميل في عام 2014. ويُعزى هذا التراجع إلى وفرة المعروض على المستوى العالمي وتراجع الطلب الكلي في اقتصادات السوق الصاعدة وغيرها من العوامل. وانعكاساً لهذه العوامل، تراجعت مساهمة النفط والغاز في اقتصاد السلطنة بشكل عام في عام 2015. فقد شكّلت القيمة المضافة لقطاعي النفط والغاز مجتمعين ما نسبته 33.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، و78.7 في المئة من الإيرادات الحكومية و59.4 في المئة من إجمالي الصادرات السلعية في عام 2015.

وشهد وضع المالية العامة للبلاد ضغوطا ملموسة في عام 2015، ويرجع ذلك اساساً إلى التراجع في الإيرادات نتيجة انخفاض أسعار النفط الخام وتباطؤ الاقتصاد بشكل عام. فبعد نمو متواصل خلال الفترة (2009-2014) سجلت الإيرادات الحكومية في السلطنة تراجعاً بنسبة 35.7 في المئة في عام 2015 لتصل إلى 9067.5 مليون ريال عُماني. ومن أجل احتواء تداعيات هذه العوامل على أداء الميزانية، تم اتخاذ إجراءات لترشيد المصروفات الحكومية، الأمر الذي أدى إلى انخفاضها على نحو ملموس بنسبة 9.7 في المئة لتبلغ 13698.9 مليون ريال عُماني في عام 2015. وفي هذه المعطيات، بلغ إجمالي عجز الميزانية في عام 2015 حوالي 4631.4 مليون ريال عُماني.

سياسة نقدية ملائمة

وواصل البنك المركزي العُماني انتهاج سياسته النقدية الملائمة في ظل بيئة اقتصادية اتسمت بتدني معدلات التضخم ونمو محدود في الأنشطة غير النفطية. وانسجاماً مع أوضاع السيولة التي لا تزال مريحة، شهدت الإجماليات النقدية في السلطنة توسعاً بنسب معتدلة خلال عام 201؛ حيث سجل عرض النقد بمعناه الواسع نمواً بنسبة 10 في المئة في عام 2015. وتشير الأرقام إلى أن حجم الإئتمان الممنوح من قِبل مؤسسات الإيداع الأخرى والتي تشمل قطاع البنوك التجارية بالإضافة إلى البنوك والنوافذ الاسلامية، قد بلغ 20.1 مليار ريال عُماني في نهاية ديسمبر 2015، مسجلاً نمواً بنسبة 12 في المئة عن مستواه في نهاية العام الذي سبقه. وسجّل إجمالي الودائع لدى هذه المؤسسات زيادة بنسبة 8 في المئة خلال العام ليصل إلى حوالي 19.4 مليار ريال عُماني في نهاية ديسمبر 2015. ونظراً لظروف السيولة المريحة نسبياً، تراجعت اسعار الفائدة على الودائع والقروض على حد سواء في السلطنة خلال عام 2015.

وعلى الرغم من التحديات التي تواجه اقتصاد السلطنة نتيجةً لحالة التدني الراهنة في اسعار النفط، ظل القطاع المصرفي يتمتع بالمتانة وقادراً على دعم مبادرات التنويع الاقتصادي وتلبية الاحتياجات الإئتمانية للأعداد المتنامية من السكان الشباب. ومن العوامل التي أدت إلى الاستقرار المالي كان تطبيق الإشراف المبني على المخاطر للبنوك وتطبيق اتفاقيات بازل وتطوير أنظمة المدفوعات والتسويات. ظل متوسط نسبة كفاية رأس المال للأصول المرجحة بالمخاطر للبنوك التجارية عند مستوى مريح يبلغ 16.1 في المئة في نهاية عام 2015م، وهو ما يفوق الحد الأدنى المحدد من قِبل البنك المركزي العُماني.

ميزان المدفوعات

انعكاساً لانخفاض أسعار النفط العالمية خلال عام 2015، شهد وضع ميزان المدفوعات بعض الضغوط حيث سجّل الحساب الجاري عجزاً ملحوظاً مقارنة مع فائض في الأعوام السابقة. وتراجع الفائض في الميزان التجاري السلعي على نحو ملموس بنسبة 64.5 في المئة ليبلغ 3.5 مليار ريال عُماني في عام 2015 مقارنة مع 9.9 مليار ريال عُماني خلال عام 2014م، وذلك انعكاساً لتراجع قيمة الصادرات وخصوصاً من النفط الخام. وهنا تجدر الإشارة إلى أن تراجع الواردات بنسبة 4.8 في المئة في عام 2015 قد ساهم في الحد من تأثير الانخفاض الكبير في الصادرات على أداء الميزان التجاري السلعي. وقد بلغ مجمل العجز في حسابات الخدمات والدخل والتحويلات الجارية حوالي 7.7 مليار ريال عُماني في عام 2015م مقارنة مع 8.3 مليار ريال عُماني في عام 2014م. وبناءاً على هذه التطورات، سجّل الحساب الجاري عجزاً بمبلغ 4.2 مليار ريال عُماني في عام 2015م مقارنة مع فائض بمبلغ 1.6 مليار ريال عُماني في عام 2014م. وعلى صعيد الحساب المالي والرأسمالي، سجل صافي تدفق للداخل بمبلغ 4741 مليون ريال عُماني في عام 2015م مقارنة مع صافي تدفق للخارج بحوالي 701 مليون ريال عُماني في العام الذي سبقه. وتعكس هذه التطورات الفجوة بين مستويات الادخار المحلي وبين الطلب الاستثماري. اسفر الميزان الكلي للمدفوعات عن تسجيل فائض بمبلغ 235 مليون ريال عُماني خلال عام 2015م، مما أدى إلى زيادة احتياطيات البلاد من العملة الأجنبية بنفس المقدار. هذا، وقد بلغ حجم الأصول الأجنبية الإجمالية للبنك المركزي العُماني حوالي 6745.8 مليون ريال عُماني في نهاية عام 2015م، وهو مستوى يكفي لتغطية واردات السلطنة من السلع لفترة 8 شهور.

الرؤية المستقبلية

وأوضح التقرير أن السلطنة تبنت من خلال "رؤية 2020" والخطط الخمسية للتنمية التي تضمنتها هذه الرؤية، استراتيجية للتنويع الاقتصادي وتعزيز دور القطاع الخاص وتحسين مُناخ ممارسة الأعمال من أجل جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر. وقد شهدت فترة الأعوام العشرة ارتفاع حصة الأنشطة غير النفطية في الصادرات السلعية من 16 في المئة إلى 41 في المئة، في حين نمت مساهمة الإيرادات غير النفطية في إجمالي الإيرادات الحكومية من 14 في المئة إلى 22 في المئة. وعلى مر السنين، قامت السلطنة بتطبيق سياسات حكيمة على مستوى الاقتصاد ككل الأمر الذي أدى إلى تحقيق نسب نمو مرتفعة في الناتج المحلي الإجمالي بالتزامن مع تضخم محدود بالإضافة إلى نشوء نظام مالي مستقر. تقوم خطط الحكومة لتمويل عجز الميزانية على استخدام الاحتياطيات العامة والإقتراض من السوق المحلي بدون مزاحمة القطاع الخاص بالإضافة إلى الوصول للأسواق المالية العالمية سواء من قِبل الحكومة أو من الشركات التابعة لها. وضمن هذا السياق، نجحت السلطنة عن طريق الأسواق المالية العالمية في جمع 1 مليار دولار أمريكي في عام 2015م بالإضافة إلى 2.5 مليار دولار أمريكي في يونيو 2016، الأمر الذي يشير إلى الإقبال الكبير من قِبل المستثمرين.

وعلى صعيد القطاع الخارجي، تخطط الحكومة لاتخاذ تدابير في الأمد المتوسط لتعزيز إيرادات السياحة وتعزيز قطاع الصناعة التحويلية وإقرار قانون جديد للاستثمار من أجل اجتذاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية للسلطنة.

وفي الأمد القصير، فإنَّ الاقتصاد العُماني يمتلك عناصر القوة اللازمة لمواجهة التحديات الاقتصادية الكلية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط. ويُتوقع أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للسلطنة نمواً إيجابياً في عام 2015 نتيجة زيادة انتاج النفط والغاز وتراجع مخفض الناتج المحلي الإجمالي. وستتبلور الآفاق الاقتصادية لعام 2016 نتيجة تفاعل العديد من العوامل تشمل اتجاه سعر النفط وقيام بنك الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأمريكي) برفع أسعار الفائدة بالإضافة إلى التقلبات في الأسواق المالية وخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. ويُحتمل أن يعاني الاقتصاد البريطاني من تراجع نسب النمو نتيجة انتقال أنشطة التجارة والأعمال. ونظراً لكون المملكة المتحدة أكبر مصادر الاستثمار الأجنبي المباشر في السلطنة، يستدعي الأمر مراقبة التطورات في هذا الخصوص فور وقوعها. وعلى نحو مماثل ينبغي أيضاً مراقبة تداعيات تباطؤ الاقتصاد الصيني على صادرات السلطنة ليتم اتخاذ الإجراءات المناسبة.

تعليق عبر الفيس بوك