مرافئ اقتصادية

المقاولون وثغرات العقود التجارية

 

 

محمد بن عيسى البلوشي

 

سيدي القاضي، إنِّنا اليوم في قضية شائكة نحن جميعًا متهمون بها، قضية أطرافها الثلاثة نحن وأنتم والمؤسسات مجتمعة مختلفون فيمن يتحمل مسؤولية ما تُفرزه التطورات المُتسارعة التي نعيشها من إرهاصات أرهقت كاهلنا جميعاً، ولن أطيل على قضائكم الذي نتجه إلى عدله في فهم ما نُريد.

فضيلة القاضي .. لا شك أنَّ تعدد معاملتنا الحياتية والإنسانية والتجارية والاقتصادية متنوعة، وهي قد تكون متشابكة المصالح في الكثير من الأحايين، وتحتاج من مؤسساتنا المتعددة إلى فرزها كل في اختصاصه، ومن ثم إعداد صيغة قانونية لتنظيمها في حالات الرخاء والخلاف، فاليوم حضورنا الكرام من منِّا لا يود أن يبني منزلاً أو يستأجر عقارًا على أقل تقدير، وهنا نظمت العلاقة بتنفيذ عقد بناء أو استئجار، وهذا هو الأمر القانوني الطبيعي في هذه المسألة، ولكن ماذا لو وقع خلاف بين الطرفين فيما يتعلَّق بتفاصيل تنفيذ العقد؟.

في الحالة الأولى وهي البناء، فإنَّ المقاول قد تمرس على كتابة العقود بصيغة قانونية يحمي فيها نفسه ومصالحه، دون أن يضع مصلحة الطرف الآخر كأولوية، وهنا تقع الملامة على الطرف الأضعف.

أما في الثانية وهي حالة الاستئجار، فإنّ العقد لم يلزم الجهة المحصلة لضريبة الإيجار  في اتخاذ موقف قانوني تجاه المخالفة وتكتفي بتوجيه الطرف المُتضرر إلى الجهات مثل الادعاء العام أو المحاكم، وهنا يدخل أحد الأطراف وفي الغالب الطرف الأضعف في دوامة جديدة ويتحمل تبعات المشكلة.

وفي كلا الحالتين ستصل تلك القضايا إلى عدالة محكمتكم، وستأخذ وقتها للتداول ولفحص المعلومات وذلك لبيان الحقيقة بهدف رد المظالم إلى أهلها، وهذه هي رسالتكم التي لا يختلف عليها كل ذي بصيرة.

ولكن فضيلة القاضي، ألا ترون أنّ هناك دورًا يمكن للجهات المعنية خاصة كانت أم عامة، أو إجراء تطويري في العقود التجارية وعقود البناء والتعمير، لو تمّ إضافتها فإنّ مثل هذه القضايا لن تتطور وتشغل عدالة محكمتكم.

وأخذ على سبيل المثال لا الحصر، توثيق العقود الخاصة بالإنشاءات والبناء في مكتب المحاماه كشرط أساسي، على أن يقوم المكتب بتوضيح وتفصيل جميع البنود بشكل مفهوم لكلا الطرفين ويُبين الطريقة الصحيحة للتنفيذ، وبالتالي وفي حال وقوع الخلاف يقوم بحل الإشكال، وأيضاً في حال تطوره يرفع الدعوى عن الطرف المتضرر وتكون جميع القضية واضحة ومكتملة الأركان.

أما في حالة الاستئجار فإنّه يقع على عاتق الطرف المحصل لضريبة الإيجار حل المشاكل التي قد تظهر بين الطرفين وخصوصاً قضايا توفير الخدمات أو الصيانة أو تسليم المستحقات القانونية، وهنا قد تحل العديد من القضايا دون أن تشغل عدالتكم.

فضيلة القاضي هنا تظهر الحاجة اليوم إلى النظر لمثل هذه الأمور والجوانب المهمة من قبل الجهات المعنية، وأن تلزم نفسها بالقيام بالأدوار القانونية وفق ما أتيح لها من صلاحيات، وأيضاً تعلب دورًا في نشر الوعي القانوني بمجال اختصاصها وذلك بالممارسة العملية التي تكسبها الخبرة في حال وجود الأخطاء أو الخلافات الطبيعية.

إنّ هذه القضية التي هي بين يدي عدالتكم اليوم، تجعلنا نوضح لمحكمتكم الموقرة أهمية رفع الوعي القانوني بالممارسات الصحيحة وأيضًا تفعيل الأدوار المتنوعة التي تقوم بها الجهات، ليس لرصد المخالفات بل لتنظيم العلاقة بين جميع الأطراف بشكل فاعل ويحمي حقوقهم وذلك لتعظيم العوائد المتنوعة.

لن أزيد فيما أشرت إليه، والقضية مرفوعة لعدالتكم الموقرة للتكرم بالنظر فيها.

 

كاتب وصحفي اقتصادي