عبيدلي العبيدلي
أنْهَت السُّلطات الصينية أعمالَ مشاريع صيانة مشروعات البنية الأساسية للعديد من مرافق مدينة هانغتشو حاضرة مقاطعة تشجيانج الواقعة شرق الصين؛ استعدادا لاستقبال قادة بلدان قمة العشرين التي ستنطلق أعمالها في الرابع من سبتمبر 2016.
ليس ذلك فحسب، بل تستقبلهم الصين وهي ترفع أمامهم تقرير "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، الذي يشيد بإنجازات الصين، خاصة على الصعيد الاقتصادي؛ حيث انضمت الصين -كما ورد في ذلك التقرير- "إلى مجموعة الدول ذات المستوى العالي فى التنمية البشرية؛ حيث وصل مؤشر التنمية البشرية في الصين إلى 0.727 في العام 2014؛ حيث يصنف في المركز التسعين من بين 188 دولة ومنطقة". وكانت هناك إشارات أخرى في التقرير "بشأن انجازات الصين إلى السياسات الاجتماعية التي تتضمن عددا من الإجراءات، منها خفض مستوى الفقر".
ومن المتوقع -كما ورد على موقع شبكة الصين الإلكتروني- أنَّ "تتصدَّر كيفية تنشيط عملية نمو الاقتصاد العالمي وتعزيز التجارة والاستثمار حول العالم، جدول مناقشات قادة العالم". لكنَّ جيوسيبي ساكو أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة لويس في روما، أشار في مقابلة أجرتها معه وكالة "شينخوا" الصينية إلى "أنَّ مغادرة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للبيت الأبيض بعد أشهر قليلة سيكون له تأثير أيضا، (منوها إلى) أنَّ ثمَّة أحداثا سياسية ملحة تجري الآن على الساحة العالمية وربما تحول أجندة مجموعة العشرين أو تؤثر عليها على الأقل، (مثل) تصاعد المشاعر المناهضة للعولمة في قلب العالم الأنغلو-ساكسوني كظاهرة جديدة ومثيرة للاهتمام".
أمَّا الصين -والتي من المتوقع أن تكون لها كلمة مسموعة في ردهات القمة- فهي كما جاء على لسان نائب وزير الخارجية الصيني لي باو دونج "تتطلع لتحفيز نمو الاقتصاد العالمي وتحسين الحوكمة المالية للاقتصاد (مؤكدا على أن الصين) بوصفها رئيسة القمة التي تجيء هذا العام تحت عنوان "بناء الاقتصاد العالمي المبتكر"، ستتقدم بمقترحات للتوصل إلى توافقات لتعزيز النمو العالمي عبر الابتكار".
وكما يبدو، فإنَّ الصين تُولِي مسألة الابتكار واقتصاد الابتكار أهمية خاصة، فهي ترى كما جاء على لسان الأستاذ في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية ياو تشي تشونج، "أنَّ الابتكار هو مفتاح لتعزيز الإمكانات الاقتصادية العالمية".
وهذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها الصين إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي؛ ففي قمة العام 2105 التي استقبلتها تركيا، أكد المبعوث الصيني الخاص لشؤون مجموعة العشرين وانج شياو، للصحفيين أنَّ الصين تراقب بحذر "الاتجاهات الاقتصادية وسياسات الاقتصادات الرئيسية تسير في وجهات مختلفة، وأصبح من الضروري التنسيق بخصوص سياسات الاقتصاد الكلي"، مضيفا بقوله: "تتزايد أيضا صعوبة مثل هذا التنسيق. إذ نرى التجارة تتراجع وأسعار السلع الأولية مستمرة في التذبذب. وهناك بعض التقلبات في الأسواق المالية".
وكما يبدو، فإنَّ الصين ستحاول أن تكون مؤثرة في إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي، بتقليص النفوذ التي تحظى بها العواصم الغربية في ذلك الاقتصاد، والتي جَرى تصميمها -الهيكلة- وفقا لموازين القوى العالمية التي أعقبت الحرب الكونية الثانية؛ من خلال الضغط على دول تلك العواصم كي تتراجع عن تنفيذ بعض السياسات الاقتصادية، التي تساعدها على الخروج من أزمتها الذاتية، لكنها ستكون مؤذية لآليات تسيير الاقتصاد العالمي، خاصة على اقتصادات الدول النامية والفقيرة، وتحديدا تلك المقترضة منها. ومهَّدتْ الصين لتلك الخطوة مُلمِّحة بأنها ستدعو -حسب ما قال نائب محافظي بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) يي قانج- "أعضاء مجموعة العشرين للامتناع عن استخدام الخفض التنافسي لقيمة العملة وتسهيل المناقشات حول سوق الصرف الأجنبي، في إطار مجموعة العشرين؛ لبناء الثقة في السوق".
ومن المتوقع أنْ تقف هذه القمة ستقف مطوَّلا أمام قضية ربما ليستْ اقتصادية مَحْضَة، لكنها في غاية الأهمية عندما يتعلَّق الأمر بالاقتصاد العالمي، وهي قضية الإرهاب الدولي. لذلك ستكون جلساتها صاخبة نظرا لتباين وجهات النظر حول هذه المسألة؛ انطلاقا من تضارب المصالح بين الدول الرئيسة المشاركة فيها، حول الموقف من هذه القضية وسبل معالجتها. ويذكر البعضُ بقمة العشرين التي عقدت في العام 2009، عندما كانت السوق العالمية تواجه بشدة "الأزمة الاقتصادية التي كانت تجتاح العالم حينها وتهدد بركود اقتصادي طويل المدى، وبطء في حركة التجارة وانهيار مؤسسات وشركات كبرى، وارتفاع نسبة البطالة في العالم، وتنتهي هذه التحديات باختلاف وجهات النظر في الحلول التي يتوجب اتخاذها لإخراج العالم من هذه الأزمة الخانقة، وهو الاختلاف الذي بلغ حد التهديد بفشل القمة التي تعلق عليها كثير من الدول -خاصة النامية- آمالا عريضة يُمكن لها أن تعيد لاقتصادها الانتعاش، ولخطط التنمية الاستمرار".
وكان الإرهاب من القضايا المطروحة أيضا على طاولة القمة السابقة التي عقدت في تركيا؛ حيث أشارت الأخبار المتسرِّبة من تلك القمة إلى أنَّ "قمة مجموعة العشرين أحرزتْ تقدُّما دبلوماسيًّا حول سوريا، معقل تنظيم الدولة، وأكد قادة العالم -الذين لم يستفيقوا حينها بعد من صدمة اعتداءات باريس- توحيد جهودهم لإلحاق الهزيمة بهذا التنظيم". وأشار حينها الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمام الصحفيين إلى أننا "نحن موحَّدون ضد هذا التهديد، مضيفا بأنَّ تنظيم الدولة هو وجه الشر. وهدفنا تقليص هذا التنظيم الهمجي ثم تدميره".
لكن كما تعثَّرت خطوات القمَّة، حتى اليوم، في إصلاح الاقتصاد العالمي، الذي لا يزال غير عادل من جهة، ومُتعثِّر من جهة أخرى؛ فمن غير المتوقع أن يوفق قادة قمة العشرين -عند اجتماعهم في مدينة هانغتشو- في وضع حدٍّ للإرهاب؛ لسبب في غاية البساطة، وهو تضارب مصالحهم عندما يتعلَّق الأمرُ بالتصدي لهذه الظاهرة العالمية، التي ربما تكون أصابع البعض منهم ملطخة بها.