مدرين المكتومية
حينما يموت الإنسان لا يخلف إلا الذكرى، وحينما يعيش لا يمكنه أن يستكمل حياته إلا بالأحلام، تلك الأحلام التي تعطيه الأمل، أو تجعله قادرا على أن يكون جزءا من كيان العالم الذي يحتوي الكثيرين مثله، ولربما يجهل الكثيرون عظمة الحياة بالحلم، لأنهم لا يدركون أنه بلا حلم سيكونون في عداد الأموات. فالحلم نعمة جميلة يمكنها أن تعطينا عمرا إضافيا لمستقبل أجمل بكثير مما نحن عليه، مهما كان ذلك الحلم صعب التحقيق في الواقع؛ ولكن العظمة تكمن في التحدي والإصرار مهما كانت النتيجة، ففي نهاية المطاف يكفي شرف خوض التجربة وخسارتها بجدارة.
الحلم هو عالم صنع الأمل للكثيرين، وجعلهم يعيشون في قصور رائعة مع من أحبوا؛ بعيدا عن الحقيقة التي خذلتهم، والحلم أيقظ في نفوس الكثيرين مشاعر الإصرار والعزيمة، وأوقد شعلة دائمة لا تطفئها تعرجات الزمن وتكهنات الآخرين، فالحلم لا يعني أننا لا نمتلك القدرة على أن نعيش مع الواقع بتقلباته، ولكن نعيشها بحماس أن يتغير شيء ما في قادم الوقت، لربما يجهل بعضنا أن لكل شيء في هذه الحياة سببا لم يكن عبثا، حتى الحلم الذي نراه بسيطا قد يكون من أعظم ما يملكه أحدنا، خاصة أولئك الذين أزعجتهم الحياة الروتينية؛ ولتصبح أملاكهم الحقيقية بقايا أحلام ينتظرون معجزات لتحقيقها.
هذا هو الحال فأحلام البسيط تكمن في امتلاك واقتناء ما بحوزة الثري، والثري يبحث عن الاختلاف والاستثناء، والفاشل يبحث عن النجاح بأي طريقة كانت، والناجح يريد أن يصل لمرتبة تجعله في القمة، والمشهور يبحث عن الخفاء ليمارس طقوسه بحرية، في حين أن الشخص الذي لا يعرفه أحد سوى محيطه الاجتماعية يتمنى أن يكون محط أنظار الجميع، وهناك الأحلام التي يمكن القول إنها تعيش خلف التخوم البعيدة، والتي يحاول أصحابها الوصول إليها بطريقة لا يفهمها غيرهم، وهناك الكثير والكثير.. ولكن ما علينا أن نؤمن به هو أن تلك الأحلام كانت سبيلا للكثيرين في الخلاص، وفي العودة للحياة ومنها الحلم الذي فسره سيدنا يوسف للملك والذي كان سببا في خلاصه من السجن حين تلا عليه حلمه: "وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُروَن ".. ففسر يوسف الحلم قائلا: هناك سبع سنين رخاء عظيم قادمةٌ على كل أرض مصر تعقبها سبع سنوات جوع..
يكون الحلم في كثير من الأحيان هو الحياة التي نبحث عنها.. الطريق الذي يجعلنا نشق كل المسارات دون خوف أو اكتراث.. المنظر الجميل الذي نراه من خلف نوافذنا حتى وإن كانت مغلقة.. هو تلك الحديقة الواسعة من زهور الأمل، والجمل التي زرعناها بدواخلنا لنستنشق رحيقها كل يوم.. هو كل شيء يمكنه أن يصنع منا أناسا أحياء على أي أرض ميتة، هو مفتاح للأبواب المغلقة التي وقفنا خلفها طويلا ولم نعرف تجاوزها إلا بعد أن تعلمنا كيف نحلم، ولماذا نحلم ومن سيشاركنا تلك الأحلام بكل بساطتها ورفعتها. واختم كلماتي ببعض الكلمات التي أحببتها وعلقت في ذاكرتي من رواية "الأسود يليق بك" لـ "أحلام مستغانمي": الأحلام التي تبقى أحلاماً لا تؤلمنا، نحن لا نحزن على شيء تمنّيناه ولم يحدث، الألم العميق هو على ما حدث مرة واحدة وما كنّا ندري أنّه لن يتكرّر.
madreen@alroya.info