عيسى الرَّواحي
تُعدُّ محافظة ظفار الوجهة السياحية الأولى في الخليج فترة الإجازة الصيفية بما تنفرد به من مُقوِّمات سياحية فريدة عن سائر مناطق الخليج الأخرى؛ فبحلول فصل الصيف بحرارته المرتفعة وهوائه الساخن ورطوبته الكثيفة، يشدُّ كثيرٌ من الشباب والأسر رحالهم نحو تلك البقعة الواقعة في جنوب عُمان، ذات الخضرة والجمال والطقس الرائع والنسيم العليل، وباتت كلمة "صلالة" مقرونة بلفظة "الخريف" الموعد السنوي المرتقب للكثير من الأسر والشباب والأطفال، ولا أظن أنني أضيف للقارئ الكريم جديدا عند الحديث عن خريف صلالة ومقومات السياحة التي تعول عليها الآمال اليوم في رفد اقتصادنا الوطني؛ فهذا حديث قد أسهب فيه الكتاب وسال مداد أقلامهم، ولكنني أود أن أقف سريعا بعض الوقفات أشارك فيها أصحاب الرأي والقلم فيما يرونه مناسبا لجعل "صلالة" أجمل وأفضل من وضعها الحالي، وما لمسته من جديد هذا العام، وذلك على النحو الآتي:
* يُمكننا القول بأنَّ الطريق المؤدي إلى صلالة، وتحديدا طريق (أدم-ثمريت) ليس سيئا، وإن لم يكن مزدوجا، وهو اليوم أفضل من وضعه قبل سنوات بعد تلك الإصلاحات المتوالية عليه، لكننا نجزم بأنه لو كان مزدوجا لارتفعت نسبة السياحة إلى صلالة بشكل أكبر، وانخفضت نسبة الحوادث بشكل كبيرا جدا؛ فكثير من الناس يعزفون عن الذهاب إلى صلالة بسبب هذا الطريق؛ خاصة بعد الأرواح الكثيرة التي أزهقت فيه؛ بسبب حوادث السير المميتة، ولعل أبرز سببين لتلك الحوادث هما: التجاوزات الخاطئة والتدهور الناتج من السرعة الزائدة بشكل عام، فلو تحقق الأمل المنتظر بازدواجية هذا الطريق؛ لانخفضت نسبة الحوادث بشكل كبير جدا، وارتفعت نسبة السياحة إلى صلالة بشكل أكبر.
* الحديث عن الخدمات والمرافق الضرورية للسياحة سواء في الطريق المؤدي إلى صلالة أو في صلالة ذاتها، هو أكثر ما يتحدَّث عنه الكتاب والإعلام والسياح، ولا يختلف اثنان على أننا بحاجة ملحة إلى توفير مزيد من الخدمات والمرافق إذا ما أردنا جذبا سياحيا يستحق الإشادة والتقدير، ولعل أكثر ما تعانيه الأسر بالدرجة الأولى في هذا الشأن هو ما يتعلق بمصليات النساء ودورات المياه المخصَّصة لهن، وهذه معاناة تواجهها النساء في أغلب المصليات المنتشرة في مناطق السلطنة؛ إذ تخصص مساحة يسيرة جدا لإقامة المصلى ومرافقه التابعة له؛ لذا فإنه ينبغي الاهتمام بهذا الأمر. ونظرا لما أشرت إليه وارتباط الأطفال بأمهاتهم وقت الأسفار كسائر الأوقات؛ فإنه ينبغي ألا تقل أعداد دورات المياه المخصصة للنساء عن المخصصة للرجال إن لم تكن أكثر.
* يستغرق كثير من السياح كثيرا من الوقت فترة الذروة في فصل الخريف؛ لإيجاد المسكن الملائم لإقامتهم، لكننا ولله الحمد نشهد زيادة مستمرة كل عام في بناء الشققق الفندقية والمساكن المخصصة للإيجار. وعليه؛ فإنَّنا نأمل خلال الأعوام القادمة -بإذن الله تعالى- أن تختفي معاناة البحث عن المسكن الملائم، والارتفاع الكبير للإيجار بعض الفترات.
* من المؤسف حقًّا عدم الاهتمام بالنظافة العامة من قبل بعض السياح؛ فتجد مُخلَّفاتهم منتشرة في تلك البقعة الخضراء الجميلة. وفي حقيقة الأمر، فإنَّ هذه الظاهرة قد بدأت في التوسع والانتشار من قبل السائحين في شتى مناطق السلطنة؛ لذا فإننا نأمل أن يقوم رب الأسرة أولا بدور التوعية والتثقيف لأفراد أسرته قبل وسائل الإعلام والمؤسسات الأخرى، وأن يكون قدوة حسنة لأبنائه في هذا الشأن تحت شعار "ترك المكان أفضل مما كان" و"النظافة من الإيمان"...وغيرهما من المبادئ والقيم التي حثَّ عليها ديننا الحنيف في الحفاظ على نظافة الأماكن العامة والطرقات والمرافق، وهي بلا شك من صميم الأخلاق، ومرآة للشعب والوطن.
* تستحقُّ شرطة عُمان السلطانية التحيَّة والإشادة التقدير بما يبذلونه طيلة الأوقات من جهود كبيرة في خدمة السائحين وضبط المخالفين منهم. وقد لمسنا -ولله الحمد- اختفاءَ كثيرٍ من الظواهر السيئة التي كُنَّا نشاهدها ونسمع عنها في الأعوام الماضية.
* الوقوف عند محلات بيع خيرات الأرض وطيباتها، وشرب ماء النارجيل (المشلي) يعد من المحطات اليومية المهمة للسائح، فماء النارجيل الذي يعرف محليا بماء (المشلي) هو الشراب المفضل للكبير والصغير في صلالة التي تتميز بتوافر هذه الشجرة الطيبة المعروفة بشجرة النارجيل أو "جوز الهند"؛ نظرا لتوافر الجو المناسب لزراعته وحصاده والذي يحتاج درجة حرارة تترواح بين 22-30 درجة مئوية، وماء المشلي هو الماء المستخرج من هذه الثمرة التي لم تنضج بعد، ولا غرابة في عشق السائح لهذا الشراب واستمتاعه به، فهو لا يجده في أي مكان، وهو كما يسمى "مشروب الحياة" و"مشروب الصحة" و"السائل الحيوي" و"شراب الانتعاش للرياضيين"، إنه شراب لم تتدخل فيه اليد البشرية لتغييره، أو إضافة أي مواد أخرى عليه؛ فيشربه المرء كما خلقه الله تعالى، فهو شراب طبيعي له فوائد صحية كثيرة أبرزها إمداد الجسم بالطاقة، وتخليصه من السموم من خلال كثرة إدرار البول، وتنظيم عملية الهضم، وتنظيم مستوى السكر في الدم، وتنظيم ضغط الدم، وتحسين أداء العضلات، وتخفيف الوزن، وتقوية المناعة، ومنع الجفاف؟ وقتال العدوى...وغيرها من الفوائد الكثيرة التي تحدث عنها اﻷطباء؛ لذا فإنَّ السائح إلى صلالة يجدها فرصة مناسبة للإكثار من هذا الشراب الذي لا يتوفر في كل مكان، وهو بالمختصر المفيد "شراب متعة ووقاية وعلاج".
وكَمْ هُو مُؤسِف حقًّا وضرب للسياحة فعلا أن يصبح ماء "المشلي" في موطنه الأم فترة الخريف ومقصد السياح نادرًا جدًّا، بعد أن كان متوفرا بشتى أنواعه وأحجامه في الأعوام السابقة كتوافر ماء الشرب في المحلات التجارية، ولم أكد أصدق أن يمر عليَّ يوم في صلالة وأنا لم أظفر بهذا الشراب، ولم أكد أصدِّق أنْ أبحث في تلك المحلات الكثيرة المنتشرة فلا أجده بعد أن كان أصحاب تلك المحلات أنفسهم في الأعوام السابقة ينادونك من بعيد لتشتري منهم.
لقد كان المعروض من ماء "المشلي" -إن وُجِد- هذا العام نادرا جدا، وكنت أشاهد اصطفاف السياح كبيرهم وصغيرهم وازدحامهم؛ لمحاولة الحصول على ثمرة واحدة من هذا الشراب التي قد تبوء بالفشل، ناهيك عن أن هذا المعروض القليل ليس بذات الجودة المعهودة.
لقد كُنتُ أقرأ علامات الدهشة والاستغراب والامتعاض والاستياء في وجوه السائحين وهم يتردَّدون على تلك المحلات بحثا عن شرابهم المفضل في ذلك الجو الرائع والمكان والطيب فلا يجدونه. أمَّا حال الاستياء الكبير والامتعاض الشديد عندما تعلم أن السبب الرئيس في عدم توافره هذا العام هو تصديره إلى دول الجوار، فتُحرم أنت من خيرات بلادك، وينتفع بها غيرك، ولكن لا غرابة في ذلك، فما أكثر خيرات بلادي التي حُرم منها أبناء بلادي؛ فخيرات البحر وخيرات البر ومكنونات الجبال...وغيرها كثير مما حبا الله به هذه الأرض الطيبة هذه هي حالها، وعلى السائح إلى صلالة إن أراد السياحة لها مرة أخرى أن يتأقلم مع هذا الوضع، وألا يستغرب ولا يندهش إذا ذهب إلى السوق المركزي، لشراء اللحم الطازج المحلي من لحوم الأغنام والأبقار المتغذية من تلك الأعشاب الخضراء فلا يجده؛ بحجة تصديره إلى دول الجوار؛ فهذا أمر متوقع؛ فهم أحق به من أبناء البلد الطيبين، ولا أرى داعيًا لعرض أكثر لهذه القضية وتأثيراتها من النواحي السياحية، والنظرة الاقتصادية فيها وعرض الآراء وحلولها، وخباياها المجهولة؛ فالأمور ليست بحاجة إلى شرح وتحليل، كما أن المواطن يكفيه ما فيه مما يراه ويسمعه من واقع كثير من قضاياه المحلية.. والله المستعان.
issa808@moe.om