من مواطنٍ بسيط.. إلى وطنٍ عظيم

 

 

وطني العزيز.. عذرا..

ما كنتُ لأجرؤ على معاتبتك يوما، غير أنني أشعر بالذنب، وتأنيب الضمير، أشعر أنني مغيّبٌ، وتائهٌ، وضائعٌ في صحراء لا نهاية لها، وأنني أحتاج إلى حضنك الدافئ، أحتاج إليك نقيّا، عظيما كما عهدتك، شامخا عزيزا كما عرفتك، فالمنتفعون فيك كثر، أراهم يأخذون لقمتي، ويطعمونها لجياعِ المال، ويوزعون ترابك على أترابهم، ويأكلون أموالك، وينتهكون حرمتك، ويستخدمون القانون ليكسروا عنق القانون، ويقلبوا المعتدل، ويزينوا الباطل، وأنت صامدٌ، وأنا صامتٌ، لا أملك غير التغنّي بالوطن، والحرية، والغد المشرق..

وطني العزيز..عذرا..

لقد جعلوني غريبا فيك، لا أهمية لي ـ لا أعرف من هم ـ ولكنهم موجودون من حولي يعيشون في كهوفٍ، يقترفون الجرائم باسمك، يقتسمون خيراتك، يأخذون ما خف وزنه، وغلا ثمنه، ويخنقون الأحلام، ويجعلون مني مواطنا مستغفَلا، لا رأي له، ولا إرادة، ولا عقل، ولا صوت، فهم يرون أنني ما زلت قاصرا، أحتاج إلى وصايتهم، ورعايتهم، وتوجيهاتهم، يفكرون بدلا مني، ويقررون ما هو الصالح لي، ويستهترون بك وبي، وكأنه لا وجود لكلينا، وأنا أقف متفرجا، لا حول لي ولا قوة، إلا بك..

أعترف بأنني شريكٌ في الجريمة بصمتي، وسلبيتي، وثرثرتي الزائدة التي لا أملك غيرها، ولكنني لم أعد قادرًا على تحمّل جرائم غيري، والتستر عليها، والسكوت عنها، أشعر يا وطني أنك خجِل مني، تدير رأسك لي، وتحمّلني ما لا أحتمل، رغم أنك لم تكن إلا جزءا من دمي، وأنا جزء من ثراك، مواطنٌ بسيطٌ، يعيشُ على هامش الحياة، يبحث عن لقمة عيشه، لم ييأس يوما، تغرّب في أقطاب الأرض ليبحث عن قوت عياله، ويعود إليك مشتاقا، ليقيم بعض جدرانك، فإذا ـ بمن لا أعرفهم ـ يهدمون كلما هممتُ بالبناء، وأوشكتُ على الابتداء.

وطني العزيز..عذرا..

ها أنا ذا اليوم أقف في محرابك معتذرا، أسألك العفو، عما بدر مني من خللٍ، أو زللٍ، فأنت موطنُ السلام للعالم، وأنا الباحث عن السلام فيك، فما بال البعض يحاولون تشويه صورتك النقية الطاهرة؟!!..

تجرأوا عليك حين وجدوك حنونا، متسامحا، حتى قويت شوكة الفساد، وعمّ بضرّه البلاد والعباد، وكثرت جحورهم في كل مكان، وانتشروا انتشار السحالي، يتربصون بك، وبنا، يحاولون خنق ما تصل إليه أيديهم، بدأوا من تحت الصفر، فإذا هم بين ليلة وضحاها كبارا، أموالهم بالملايين، لا يردهم رادٌّ، ولا يصدهم صادٌّ، يتحكمون في مفاصل الوطن، ويعملون في الظلام كخفافيش لا يمكن الوصول إليهم، لأنهم في كهوف آمنة مستأمنة، غير مرئية، يتغنون بمصالح الوطن، والوطن منهم بريء، يقاتلون في سبيل مصالحهم، وبقائهم، ويتركونك في مهب الريح، ولا يلتفتون الى صراخ المواطن البسيط الذي بدأ يتذمر، حفظك الله يا وطني من كل عادٍ ومعتدٍ.

وطني العزيز عذرا..

لم يخطر ببالي أن أراك يوما وأنت تئن، ويثقل كاهلك بعض أبنائك الذين استمرأوا العبث بمقدراتك، ومكتسباتك، التي بناها البسطاء، وحافظ عليها الأنقياء، واختطفها الوصوليون، والانتهازيون والعابثون بك، وبي، وبكل القيم الوطنية، وكل ذلك يتم باسمك، باسم الوطن، وأنت يا وطني تنظر إليهم هازئا، لأنك أكبر من عبثهم، ولأنك أنت الباقي، وهو الفانون، الزائلون، الزائفون، وأنت وحدك الحقيقة الساطعة كشمس الضحى..

أنا مؤمن بك رغم كل شيء.. ورغم كل شيء أشهد أن لا وطنا إلا أنت.

والسلام عليك يوم ولدتَ.. ويوم عظمْتَ.. ويوم تُبعث حيّا.

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com