أردوغان .. الرجل الذي لا يعرف العيب

 

علي بن مسعود المعشني                                                      

رجب طيب أردوغان هو الشخص الذي كذب وكذب وكذب حتى صدقه النّاس والنّاس الذين صدقوا أردوغان وانضموا إلى زمرته وهللوا وطبلوا لغيه هم بطبيعة الحال من مخلفات عقود الجهل وضحايا الفجوة المعرفية والقطيعة مع المستقبل التي أسسها ومارسها أجداده العثمانيون على الأمة طيلة ستة عقود من الخوازيق والدروشة والجيش الإنكشاري والخرافات والأساطير.

لازال بيننا قطعان عريضة ممن يتباكون على الخلافة طمعًا في تكرار المزيد من الخوازيق وممارسة المذابح الإنكشارية لأنّ فهمهم للإسلام لم يرق عن خواصرهم بعد، وفهمهم لعالمية الإسلام وإتمام مكارم الأخلاق لم يُغادر مفهومهم الضحل لتعريف الفرقة الناجية والحديث الموضوع : " بُعثت أنا والسيف" .

هوس المتأسلمين وشراهتهم للقتل عبر التاريخ البشري ولغاية اليوم حالة تستحق الكثير من التأمل والدراسة فليس من المقبول أن يلتقي الإسلام بسماحته ورسالة السلام مع السيف والقتل والخراب والدَّمار دون مُبرر أو منطق سوى أنّهم مخالفون ومختلفون عنهم في ظل الخطاب القرآني القطعي "لا إكراه في الدين، و" ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" .

تسويق الإسلام الأردوغاني وتعميم نموذجه في الوطن العربي والعالم الإسلامي هو الشغل الشاغل للغرب منذ أن أعلن ويليام كيسي رئيس الاستخبارات الأمريكية في الكونجرس عام 2006م، بأنّهم سيصنعون إسلامًا يروق لهم، إسلامًا غليظًا على المؤمنين رحيمًا بالكفار ومتصالحًا معهم إلى درجة التكامل العضوي.

إسلام يجمع الجلاد مع الضحية ويساوي بينهما في الحقوق والواجبات (فلسطين والكيان الصهيوني) ويجمع بين الفضيلة والرذيلة ويقننهما برعاية الدولة وإشرافها ويجعل من فريضة الجهاد سيفاً مسلطاً على رقاب المسلمين وخراب ديار المسلمين دون غيرهم من الأقوام والأمصار بزعم محاربة النفاق والبدع والضلال أولًا .

الإنسان في حقيقته وطبيعته الأصيلة كائن زاحف على بطنه يتبع الكلأ والعلف أينما وجده، والإنسان العربي المُعاصر علمته إخفاقات دولة الاستقلال العربي أنّ كل الحقوق والمُمكنات هي في مرتبة الجهاد في سبيل الله لنيلها، من لقمة عيش وتعليم وسكن وعلاج وبالتالي لم يعد المواطن العربي ينظر للحياة أو الدولة خارج هذا المفهوم نتيجة إجهاد الزمن والتجارب وسوداوية الأيام، كما أنّ المواطن التركي أجهدته عقود الانتقال والترحال بين العلمانية وغلظتها والدروشة ومسخها فوجد في الإسلام الأردوغاني المزيج الذي يبحث عنه بالنسبة والتناسب بين العلف والشرف فمن شاء فليسكر ومن شاء فليصلي ويتطهر. تمامًا كما ينظر المسلم الآخر والعربي الغلبان للتجربة الأردوغانية بانبهار شديد معتقدًا أنّها معجزات وكرامات يحتفظ بها أردوغان لنفسه، وليست سيناريوهات معدة بعناية في أقبية الغرف السوداء لتسويق ظاهرة أردوغان "الأفيون والعصا" .

من لا يعلم بتاريخ تركيا المعاصرة من عهد أتاتورك ولغاية عهد أردوغان، مرورًا بعصمت إينونو والثنائي جلال بيار وعدنان مندريس ثم الجنرال جمال جورسيل وسليمان ديميريل وكنعان إيفرين فنجم الدين أربكان ثم توركوت أوزال، والظروف الموضوعية التي شكلت كل عهد وعصر من تلك الحقب، لا يمكنه بطبيعة الحال الحديث بوعي وحيادية وإنصاف عن أطياف السياسة في تركيا، كما لا يمكنه فهم أو تفهم كل مرحلة وما تميزت به ووصفت به.

خطابنا وفهمنا عن تركيا المعاصرة هو خطاب مسموم دسه المتأسلمون العرب في المناهج التعليمية ووسائل الإعلام والمطبوعات حيث جعلوا – وكعادتهم – من خصومهم شياطين وأتباعهم ملائكة معصومين لا يأتيهم الباطل. فبينما يقدس الأتراك بجميع أطيافهم ومشاربهم الفكرية وأعراقهم مصطفى كمال أتاتورك ويرون فيه الزعامة والمؤسس والباني لتركيا المؤسسات والسيادة والهوية والخلق البشري والطبيعي، يصفه المتأسلمون العرب ولغاية اليوم بأقذع النعوت وأشد الصفات وطأة وانحطاطًا.

أردوغان يمثل ظاهرة شاذة لن تتكرر في تاريخ تركيا والمنطقة، فهو الرجل الذي جمع الأضداد في عهده: الله والشيطان، الجامع والخمارة، الحجاب والدعارة، الحلال والحرام، الأسوياء والشواذ، فلسطين والكيان الصهيوني، صفر مشاكل وسلة مشاكل، العمق الإستراتيجي والعبث به ...... إلخ .

أردوغان بصريح العبارة وصحيحها هو أب الزمن المزيف الذي نعيشه اليوم والذي يُريد سكب الباطل في عقولنا لنقره على أنّه الحق بعينه.

قبل الختام: يقول الشاعر العبقري عبد الله البردوني في بعض نبوءاته الشعرية من رائعته يا مصطفى :

يا (مصطفى): أي سر ••• تحت القميص المنتف

هل أنت أرهف لمحاً ••• لأنّ عودك أنحف؟

أأنت أخصب قلباً ••• لأنّ بيتك أعجف؟

هل أنت أرغد حلماً ••• لأنّ محياك أشظف؟

لم أنت بالكل أحفى ••• من كل أذكى وأثقف؟

من كل نبض تغني ••• يبكون «من سب أهيف«

إلى المدى أنت أهدى ••• وبالسراديب أعرف

وبالخيارات أدرى ••• وللغرابات أكشف

وبالمهمات أمضى ••• وللملمات أحصف

* * *

فلا وراءك ملهى ••• ولا أمامك مصرف

فلا من البعد تأسى ••• ولا على القرب تأسف

لأن همك أعلى ••• لأن قصدك أشرف

لأن صدرك أملى ••• لأنّ جيبك أنظف

* * *

قد يكسرونك، لكن ••• تقوم أقوى وأرهف

وهل صعدت جنياً ••• إلا لترمى وتقطف

* * *

قد يقتلونك، تأتي ••• من آخر القتل أعصف

لأن جذرك أنمى ••• لأن مجراك أريف

لأن موتك أحيا ••• من عمر مليون مترف

* * *

فليقذفوك جميعاً ••• فأنت وحدك أقذف

سيتلفون، ويزكو ••• فيك الذي ليس يتلف

لأنك الكل فرداً.. ••• كيفية، لا تكيف..

* * *

يا (مصطفى)، يا كتاباً ••• من كل قلب تألف

ويا زماناً سيأتي ••• يمحو الزمان المزيف

وبالشكر تدوم النعم.


Ali95312606@gmail.com