ميلان.. خطوة للحياة

 

 

حسين الغافري

يقول المؤلف والروائي أوسكار وايلد: "عندما كنت صغيراً، كنت أعتقد أن المال هو أهم شيء في الحياة.. الآن وقد كبرت، أعلم يقينا أنه الأهم". جُملة تختصر الاحتراف الرياضي الفعلي وحركته المرتبطة بالمال. وإلا كيف تحول باريس سان جيرمان الفرنسي إلى بعبع مُفّترس يسيطر على البطولات المحلية في فرنسا آخر المواسم، وطموحاته الأوروبية توسّعت لو لم يكن المال محّرك الطفرة الهائلة والنقلة النوعية في النادي ووقوده الأول؟! وكيف صعد مانشستر سيتي وتشيلسي الإنجليزيين إلى صدارة المشهد بإنجلترا ويحوزان على أفضل المدربين وأفضل اللاعبين إلا بالمال أيضاً؟!

لقد تابعتُ باهتمام خبر بيع السياسي ورجل الأعمال الإيطالي رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو بيرلسكوني لناديه ميلان إلى مجموعة استثمارية صينية. هي واحدة من أهم القرارات المصيرية الكبيرة في بطولة عملاقة وتاريخية كالدوري الإيطالي. هذا الدوري الذي تأثر بما فيه الكفاية من الأزمة المالية قبل ما يزيد الخمسة أعوام، وعانى الكثير. وخسر مقعده الرابع المؤهل للتصفيات التمهيدية لدوري أبطال أوروبا في سنوات قليلة سابقة! وهي مجموعة خطوط شائكة متشابكة في نفس الوقت ألمَّت بكرة إيطاليا. وسبق أن تحدثت حول تداعيات أزمة إيطاليا الاقتصادية في شقها الرياضي بمقالٍ سابق، صحيح أن الأزمة كان وقعها عامًّا على مُختلف البلدان، إلا أنَّ إيطاليا ودوريها لا يزال يحصد نتائج الانحدار الذي تعرض له الدوري وهو ما تسبب في رحيل نجوم الدوري وكبار الأندية إلى فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإنجلترا.

يوفنتوس لربما تضرَّر أكثر من غيره، ومع ذلك نراه يتحرك بقوة في السوق الكروية وهو ما يعدّ حدثاً إيجابياً له أسبابه التي ضمنت له النجاح. يوفنتوس المملوك للإيطالي أنييلي الوحيد يُدار بحنكة بالغة، وبفكر طموح في سياسة انتداب اللاعبين والرهان بالمواهب كمثل انتدابه للفرنسي بوجبا من مانشستر يونايتد مجاناً وقد يعود للفريق الإنجليزي بصفقة تفوق المائة مليون يورو. إضافة لعمليات انتداب موفقة خلال أعوام ماضية؛ مثل: الفرنسي إيفرا والألماني خضيرة والإسباني لورينتي والبرازيلي ألفيش بصفة مجانية أيضاً.

حقوق النقل التلفزيوني الأوروبي جراء حضوره المستمر بدوري الأبطال وتأهله إلى أدوار متقدمة أعطاه ميزة مضافة مادياً. كذلك تذاكر حضور الجمهور للمباريات في ملعبه الخاص.. كلها عوامل جعلت من السيدة العجوز استثناءً في بلاد الطليان.

وختاماً.. فالأمل في إعادة بث حياة الدوري من جديد يبدو موجوداً في الأفق، وإذا ما نجحت هذه الاستثمارات وحققت نتائج فعلية من تلك الاستثمارات المختلفة سيتبعها عودة حيوية لأندية بتاريخ عملاق متجذر مثل أندية ميلان وروما...وغيرها، كتلك القوى المتسارعة التي ذكرناها في الاستثمارات القطرية بنادي باريس سان جيرمان، ومان سيتي وتشيلسي الإنجليزيين بأندية كان للاستثمارات المالية دورها الرئيسي في إعادتها للواجهة، وتصدرها كقوى كروية عالمية. فقط الخوف من أن تكون أموال الصينيين في ميلان -سواء في ميلان أو الإنتر الذي تحولت ملكيته أيضاً لمجموعة صينية- كأموال إنجي الروسي الذي أخذ من الصدى الإعلامي الواسع ما يكفي أن تبخر ولم يعد سوى ذكرى حزينة، وتحول من مشروع طموح وبميزانية مفتوحة جلبت نجوم كبيرة تنشط في كبرى دوريات أوروبا برواتب خيالية إلى "سوبر ماركت" لأندية أوروبا!

ويقول المؤلف جورج هوراس لوريمر: "ومن الجيد أن يكون لديك المال والأشياء التي يمكن شراؤها بالمال، لكن جيد أيضا، أن تتأكد من أنك لم تفقد الأشياء التي لا يمكن شراؤها بالمال".

HussainGhafri@gmail.com