عبد الله العليان
طرح بعض الكُتَّاب الغربيين من الفرنسيين وغيرهم، قضية ازدياد بعض الأعمال الإرهابية في فرنسا في السنوات الأخيرة منذ العام المنصرم، لكن وتيرتها ازدادت بصورة لافتة، في الوقت الذي كانت الأعمال الإرهابية في دول أوروبية أخرى قليلة، بالمقارنة مع ما حصل في فرنسا من عمليات إرهابية كثيرة حصدت المئات من الأبرياء منذ عدة أشهر، واستهدفت الكثير من المواطنين الفرنسيين، وغيرهم من الجنسيات الأخرى التي تعيش بفرنسا، وأرجع بعض المُحللين ظاهرة التطرف والإرهاب في فرنسا إلى قضية التهميش والإقصاء في بعض الضواحي الفرنسية، وعزاها بعضهم إلى تفشي العاطلة وتهميش بعض فئات المجتمع، وخاصة المهاجرين الذين يشعرون بالعنصرية، التي كانت سبباً من أسباب التَّوتر والقلق في الضواحي الفرنسية قبل سنوات، وحصلت خلالها مظاهرات واحتجاجات كبيرة بعد مقتل شابين من المهاجرين أكتوبر 2005 في ضاحية "كليشي سو بوا" استمرت عدة أسابيع في كل أنحاء فرنسا، وسببت قلقاً للحكومة الفرنسية والأحزاب السياسية والنخب الفكرية والثقافية، كما جرت مسيرة كبيرة بشمال العاصمة الفرنسية، نددت بالعنصرية والتهميش وسميت بمسيرة (الكرامة ضد العنصرية) وذلك في الذكرى العاشرة، لأعمال شغب جرت في ضواحي المُدن الفرنسية، وقد سبق وأن خرجت مسيرات قبل 33 عامًا تطالب بالحقوق، ووقف التهميش، وقد صرح بعض منظمي المسيرة بأنّه بعد ثلاثة عقود على هذه التظاهرة "فإن المضايقات التي يتعرض لها سكان الأحياء الشعبية من السود والعرب والروم وحتى البيض، والإهانات التي يعانون منها تشكل جزءًا من حياتهم اليومية". وقد صرح رئيس الحكومة الفرنسية السابق"مانويل فالس" في عام 2015، بأن الحكومة الفرنسية "عازمة على محاربة العنصرية والظلم اللذين يُعاني منهما سكان الضواحي الفرنسية. وأضاف "مسلمو فرنسا هم أيضاً أبناء الجمهورية". ولاشك أنَّ مسألة العنصرية والتهميش يعتبرها البعض سبباً من أسباب التطرف والإرهاب، وهي التي جعلت فرنسا هدفاً لهذه الأعمال من بعض الجماعات التي تستغل ظروف وإحباطات بعض سكان الضواحي الفرنسية، وطرح الكاتب الفرنسي "فرهاد خافار" هذا الرأي في مقالة بجريدة (نيويورك تايمز) الأمريكية، وربط ما سماه بالجهادية الفرنسية والتصلب العلماني، وقال في هذا المقال اللافت "منذ الثورة الفرنسية، يرجح الوزن الآيديولوجي لصورة الأمة (الفرنسية) عن نفسها: نازع جمهوري إلى الارتياب من الديانات، على أنواعها، بدءاً بالكاثوليكية. وهذا النموذج أُسيئ استخدامه في مرحلة العودة عن الاستعمار ثم في أعوام الأزمة الاقتصادية، ووصم الخصوصيات الثقافية (بعيوب)، وإلزام الأجيال الجديدة بالفردية وتقليص العولمة هامش عمل الحكومات. والحق يُقال، تخفق فرنسا في تذليل مشكلة التهميش الاجتماعي والاقتصادي. فنموذجها، وهو يُغالي في حماية أصحاب الوظائف ولا يشمل كل العاطلين من العمل، يغذي القلق وينفخ فيه. فشباب الضواحي مهمشون والآفاق أمامهم ضيقة، وهم يشعرون بأنّهم ضحية. وتتوجه البروباغندا الجهادية إليهم وتستمليهم، غالباً، إثر المكوث في السجن جزاء ارتكاب جنحة ما".وهذا الرأي ما تحدَّث عنه أيضاً ويقول الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني "يورغن هابر ماس" في محاضرة منذ فترة، حملت عنوان( أوروبا ومهاجروها)، إن المشكلة التي "تحرق أصابعنا هي تفاقم الثقافة الأصولية الجمعوية داخل مجتمعاتنا.هذا المشكل تمّ التعامل معه ولمدة طويلة جداً من وجهة نظر سياسة الهجرة. ففي أوقات الإرهاب، تمّت معالجته فقط على مستوى الأمن الداخلي. لكن حرق السيارات في ضواحي باريس، والإرهاب المحلي من طرف الشباب المهمّش في أحياء المهاجرين، والعنف في مدرسة روتلي، قد علمتنا أن الحماية الأمنية لم تؤتِ أكلها في تحصين أوروبا. أبناء وأحفاد المهاجرين السابقين هم ومنذ فترة طويلة جزء منّا، ولأنّ الأمر ليس كذلك، فإن ذلك يمثل تحدياً بالنسبة للمجتمع المدني وليس لوزارة الداخلية. الأمر يتعلق هنا باحترام ذوي الثقافات والديانات الأجنبية على اختلافهم وإدماجهم في إطار التضامن الوطني". ولا شك أنّ قضية المهاجرين المُسلمين إلى بلاد الغرب، تحتاج إلى وقفة أخرى تُسهم في تأسيس التعايش، وأن يتحقق للمهاجرين العيش الكريم، دون تهميش أو الإساءة إلى دينهم أو حياتهم الاجتماعية، فالذي قاله الفيلسوف (هابر ماس)، عن التهميش مسألة ينبغي أن تأخذ في الحسبان من قبل النخب السياسية والفكرية في الغرب، خاصة وأنّ هذا ما تقوله الدساتير والقوانين في الغرب عمومًا، وفي فرنسا بصورة خاصة، وهذا التهميش يخل بهذا النظرة الديمقراطية التي ينظر لها الكثيرون نظرة تقدير واحترام، كما أنّ هذا التهميش والإقصاء تستغله الجماعات المُتطرفة، لزرع التكفير والغلو لهؤلاء المهاجرين،الذين يعيشون في أماكن ينقصها الكثير من الظروف الحياتية الجيدة، ولذلك لابد من النظرة الجيدة لهم وإبعاد النظرة العنصرية، وأرسى العدل والمواطنة الحقة، كما حددته قوانين الجمهورية الفرنسية، وهذا هو الحل الناجع الذي سيُسهم في وقف الكثير من التطرف والإرهاب.