أحمد السلماني
تذكرتُ وأنا أفكِّر فيما سأورده في مقال اليوم قصيدة للشاعر المصري هشام الجخ، وهو يقرضها بعنوان "بلاد العُرب أوطاني"، وأحلامه وهو طفل، والصورة المثالية الحالمة للعربي وقامته الممشوقة نظير انتمائه للعروبة، والتي كانت نتاج المناهج التي ساقتها القومية العربية الزائفة لترسم له صورة لشخصية لطالما كانت مصدر إلهام له ولغيره من الناشئة الحالمة.
الجخ في القصيدة عندما كَبُر، اصطدم بواقع ووضع وصورة غير تلك التي لا تزال في مُخيلته؛ حيث كل شيء كبر معه إلا الطفل الحالم الذي بداخله، رفض ولا يزال يرفض أن تتغيَّر في ذهنه صورة العربي والوطن العربي الكبير الذي -وبعد ما سُمِّي بـ"الربيع العربي" تجنيا- بتنا نحلم أن نعود إلى الماضي الذي لطالما انتقده العرب، بيد أنه كان أفضل حالا وأجل من حالة الوهن والضعف والانقسام العربي الراهن.
ما سبق كان استهلالا وإسقاطا لحالة الوضع الإعلامي الرياضي والوسط الكروي المبتذل إلا من رحم ربي بعد حالة الحرب الباردة والتي أضحت اليوم علنية بوسائل التواصل الاجتماعي ويتصدرها "تويتر" باقتدار ما بين معسكريْن في سباق محموم ومحاولات للحط من قدرات الطرف الآخر وكسب الرأي العام وبأطروحات عجيبة رغم أنَّ الوسط الكروي والرأي العام لا يستطيع -بل هو غير مخول- بانتخاب مجلس اتحاد كرة القدم القادم في سبتمبر، والعملية برمتها بيد الجمعية العمومية لاتحاد الكرة أي الأندية، وبالتحديد رؤساؤها في بعض منها.
وقبل وقت طويل، أحد المعسكرين بدأ برماية السهام واكتفى الطرف الآخر بالتمترس وعدم الرد والصمت في محاولة لاستنزاف كل ما لدى المعسكر الآخر، واختار قبل أيام أن يخرج عن صمته والرد على الطرف الآخر، وكلاهما يضرب من تحت الحزام، وهذا الذي لم نتمناه يوما للكرة العمانية التي باتت الخاسر الأول.
شخصيًّا -ومؤكَّد أنَّ هناك كثيرين مثلي، لطالما رسموا صورة باهية زاهية لشخوص كانوا مثلا أعلى، سواء مسؤولين رياضيين أو لاعبي كرة حاليين أو سابقين أو إعلاميين بارزين، بل أعلام من الأقلام والأصوات الرياضية، ومن أناملها لم يخرج إلا ما هو بنَّاء ويخدم الكرة والرياضة والوطن- أدرك يقينا أنَّ الرياضة في مفهومها الشامل تعني أنها حق للجميع؛ وبالتالي نملك جميعا حق التعاطي مع هذا المفهوم، ولكن أن يُغالي بعضنا في هذا الحق، ويستخدم حسابات حقيقية وأخرى وهمية للنيل من الآخر، وفي فضاء مفتوح، وبغلو في الطرح، إنما يُسيء لصاحبه وقبل كل ذلك يسيء للوطن.
نفهم أن يصدر كل هذا الطرح من عوام الوسط الكروي بكل مساقاته، ولكن لا نستسيغه هو صدوره من مسؤولين ورياضيين وإعلاميين هم "قدوة ومثل أعلى" للناشئة ولكل من رسم صورة جميلة عنهم وعن هذا الوسط، فبالله عليكم لنهدأ قليلا فحتى كتابة هذه الكلمات لدينا مرشح رئاسي وحيد، وحتى لو دخل السيد خالد الرئيس الحالي في السباق الرئاسي وغيره من المناصب باتحاد الكرة فهذا شيء يُثري العملية الانتخابية بمفهومها الديمقراطي، وما علينا سوى تقمُّص أدوارنا ومهامنا الموكلة إلينا بالتعامل مع جميع المترشحين دون الميل لأحدهم على حساب الآخر، وأن نتعاون مع المجلس الجديد كل في مجال اختصاصه خدمة للكرة العمانية وكفى ويكفي ما نالها من عبثية وتجنٍّ ممن لا يهمهم سوى الظهور.
ورغم أنَّ الصورة تبدو مشوشة لي ولكثيرين ممن صدمهم واقع الحال، لكن سأقول كما قال الشاعر في ختام قصيدته: "أنا باقٍ، وشرعي في الهوى باقي.. سُقِينا الذل أوعية سُقِينا الجهل أدعية، مللنا السقي والساقي، سأكبر تاركا للطفل فرشاتي وألواني، ليبقى يرسم العربي ممشوقا بهامته، ويبقى صوت ألحاني: بلاد العرب أوطاني وكل العرب إخواني".
نعم.. أيًّا كانت النتيجة، فسنتعامل مع الجميع بميزان واحد؛ خدمةً للكرة العمانية؛ فالاختلاف في الرأي لا يُفسد للود قضية، والفضاء الكروي يتسع لكل المخلصين.