كيف أجهض أردوغان النظام الانقلابي؟

 

 

عبدالله العليان

تفاجأ الكثيرون من المراقبين والمتابعين للشأن التركي، الفشل الذريع للانقلاب الذي قاده بعض جنرالات الجيش في الخامس عشر من يوليو الحالي، مع بعض الأنصار من القضاة والاستخبارات الموالين للداعية التركي المعروف فتح الله، كولن الذي يعيش في الولايات المتحدة منذ عدة سنوات. ويعزو البعض هذا الفشل الكبير، إلى معلومات تلقاها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من بعض القيادات العسكرية والاستخبارية الموالية للنظام الحالي -بينهم رئيس الأركان الحالي- وكذلك قائد الجيش الأول حسب ما تذكر بعض المصادر.

ويعزو البعض الآخر السبب إلى أنصار النظام التركي، الذي أجهض هذا الانقلاب بعدما طلب الرئيس رجب طيب أردوغان منهم الخروج لمواجهة الانقلاب، مع أن الانقلابيين قد سيطروا على أغلب الأماكن المهمة في العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول، وإعلانهم الأحكام العرفية في الساعات الأولى لبيان الانقلاب، لكن بعض المحللين يرون أن حزب "العدالة والتنمية"، أصبح من القوة والسيطرة في الداخل التركي ما جعل قيادات الانقلاب تنهار بسرعة وتستلم، وهذا ما برز في التصريح الأول لرئيس الوزراء بن علي يلدريم. فما هى الأسباب القوية لهذا الفشل، وانهياره لهذه السرعة؟

لا شك أن هناك أسباباً جوهرية أسهمت في هذا الفشل الذريع، ويرجعها البعض إلى قوة شخصية رجب الطيب أردوغان، والذي نجح بذكائه في أن يتحرك لوسائل الإعلام، ويطلب من الشعب الخروج للتعبير عن رفضهم للانقلاب على الديمقراطية والشرعية، وهذا ما نجح فيه بصورة لافتة، وكما يبدو أن هناك قناعة من الرئيس وقيادات حزب العدالة والتنمية، بعد ساعات قليلة من أن الانقلاب مصيره الفشل، وهذا ما صرح به بن علي يلدريم رئيس الوزراء، من "أن الانقلابيين سيدفعون ثمناً باهظا بهذا الانقلاب"، وهو ما كرره الرئيس أردوغان بعد ساعتين أيضاً وقال فيه عبر سكاي بي (تليفزيونياً)، من أن قيادات الانقلاب سيدفعون الثمن باهظاً في محاولتهم الانقلاب على الديمقراطية التركية، لكن الأقوى تأثيرا كان خروج الشعب التركي بكل انتماءاته، الذي لم يأبه لسماعه الطائرات التي استخدمها الانقلابيين، ولا لدوي المدافع ولا لسماع طلقات الرصاص في بعض الأماكن العامة؛ فالشعب التركي الذي استجاب لرئيسه، يريد أن يحافظ على ديمقراطية تواجه مصيراً قاتلاً في بلد كبير متعدد الأعراق والقوميات، وما قد تواجه من صراعات وتحولات داخلية خطيرة، ربما ترجعها عشرات السنين إلى الخلف، فالثقة الكبيرة، كما يقول الباحث د.هشام توفيق "التي ميزت القيادة التركية هي التي مكنتها من التصدي للانقلاب، وهي ثقة راهنت على السواد الأعظم التركي، وراهنت على تقدير حجم نصرة الشعب ومدى تشبّعه فكرا ووعيا بمفهوم الدولة والديمقراطية وخطورة الانقلاب.

ومن تجليات ذلك: ظهور الرئيس أردوغان سريعا على إحدى المحطات التليفزيونية عبر الهاتف في عشر ثوانٍ، يخطب في الجماهير التركية بثقة كبيرة، وبث فيها الأمل وراهن عليها، وطالبها بالنزول إلى الشارع، وبذلك وضع ثقته في الشعب، وجعله في مواجهة الانقلاب. سواء كنت تؤيد سياساته أو تعارضها، فأنت أمام رئيس دولة مسؤول يعلم أنه منتخب من أبناء وطنه ويؤمن بحق بأن لا مكان للبندقية أمام إرادة الشعب".. ولذلك فإن هذه الثقة في الشعب، جعلت الانقلابيين يتفاجؤون من سرعة خروج الشعب التركي، لمقاومة الانقلاب مع حظر الطوارئ والحديث عن الأحكام العرفية، وهذا يُبرِز أنَّ الوعي الشعبي والنخب السياسية بكل أطيافها الحزبية، رفضت الانقلاب، وهذا هو الرصيد القوي الذي جعل القيادات الانقلابية تخسر تأييد الأحزاب المعارضة، فالمعارضة على الرغم من خلافها السياسي الحزبي، مع حزب "العدالة والتنمية"، إلا أنها تدرك أن الانقلاب عودة للخلف ونكوص على الحريات والتعددية والديمقراطية التي اكتسبتها تركيا...إلخ، وهى تجربة مريرة ذاقها الأتراك منذ خمسة عقود من توالي الانقلابات.

والحقيقة أنَّ الرئيس أردوغان استفاد من هذا التأييد الشعبي والنخب السياسية في إحباط هذا الانقلاب في ساعاته الأولى، ووجه ضربة كبيرة، ربما لم يسبق لها مثيل في التاريخ التركي المعاصر، وهذا يعني أن وسيلة الانقلاب في تركيا، لن تجد لها بعد الآن قبولاً بعد ما جرى في 15 يوليو الماضي.

وقد أدرك الرئيس أردوغان قوة وتأثير الإعلام ووسائل الاتصال الأخرى وفق نظرية "الإقناع الناعم" لأنطونيو غرامشي، فكان أن تحرك عبر الإعلام المرئي، بوسيلة صغيرة "سكاي بي"، وهى التي قلبت الموازين بعد حديثه السياسي القصير، مما أفشل المحاولة الانقلابية سريعاً، كما أن المساجد خالفت نظرية كارل ماركس، من "أن الدين أفيون الشعوب"، فقد انطلقت من المساجد الصيحات المدوية، تخاطب الشعب التركي لمواجهة الانقلاب، بعبارات حديثة وواعية غير تقليدية "أنتم من يمنع التسلط" و"أنتم الوتد الأساسي للحرية والكرامة والمساواة"، فكل هذه الصيحات زعزعت الانقلابيين، وجعلت الشعب التركي بكل توجهاته الفكرية والسياسية ومنهم العلمانيون أيضاً، وقفت مع شرعية الدولة الحكومة المنتخبة، لمواجهة الانقلاب.. لكن لماذا وجهت التهم للمفكر الإسلامي التركي فتح الله كولن؟ وماذا يعني اتهام تياره بالكيان الموازي للدولة؟..فللحديث بقية!