أيها المسؤول المحترم .. نحن لسنا نصبا من خشب

 

حمد بن سالم العلوي

أيها المسؤول المحترم .. أكنت وزيراً أو خفيراً كن من تكن!! فنحن خلقنا الله مثلك بشراً، واحترامك ليس فرضاً علينا، حتى لو أتبعنا اسمك بكلمة "الموقر أو المحترم" فذلك مجرد شكليات في أدبيات التَّخاطب، أما أنت فإنِّك تفرض علينا احترامك، باحترامنا أولاً، أليس أعرافنا تقول، الكبير يُوقِّر الصغير؟! فنحن نعترف لك بمقامك الوظيفي، إنِّك الكبير فينا، ولكن ليس علينا، فهلاّ رفعت مقامك بذاتك عالياً، وذلك بإخلاصك وحسن خُلقك واحترامك لنا وللوطن، أم خدعتك المناصب والمظاهر والرُّتب، فترفّعت علينا غروراً بلا سبب، أما علمت أنّ من تواضع لله رفعه، وهكذا ديدن خلق الله، إن أنت تواضعت لهم، وأخفضت لهم جناح العطف والمحبة رفعوك ودعوا الله لك، وإن من شكره الناس، شكره ربِّ النَّاس، وأعلوا له مقاماً بينهم من المعزة والمحبة وطيب النفس.

أيُّها المسؤول المُحترم .. تنبّه لمن يقف أمامك أو يطلب مُقابلتك، فهو بشر مثلك قبل الدرجات والرُّتب، فلِم حسبته أنت حسبة النُّصب الخشبية؟! إنك ستظل فينا مذموماً معتوباً عليك، حتى وإن قلنا لك شفاهة أو كتابة "أيها المسؤول المحترم" فهي وإن قيلت لك بتواضع، ولكنها ليست من القلب للقلب، ولن نُجلّك أكثر حتى إذا تباهيت بأنّك لا تستقبل الناس في مكتبك الرسمي لأيام وشهور، وحتى لو طالت قوائم الانتظار، لدى حاجبك المسكين المثبور من كثرة الاعتذار، وتزاحمت الأسماء في قائمة طلب مقابلتك، إنما سيزيد حنقنا وحقدنا عليك، وربما دعينا عليك بزوالك من على مقعد الوظيفة، إذن لا تفرح ببسمتنا العابسة، فهي لا شك مصطنعة وحسب، قد فعلناها لكي نُعلّمك الابتسام حتى لو على مضض، والابتسامة في وجه الآخرين صدقة، تنال عليها ثواب الله ويقل عليك العتب.

أيها المسؤول المحترم .. أكنت كبيراً أو صغيراً لا فرق في نظرنا!! فإنِّك إن لم تفعل ما يجعلنا نكبُر شخصك بأعمالك وأفعالك، فسوف تظل صغيراً في أعيننا، حتى لو ظننت أنت غير ذلك، وحتى لو أجلستك الوظيفة في مقام عالٍ، فإنّ الأمر ليس بالكرسي الوثير، والمكتب الكبير الجميل، بل أنت من يَجعلُّ الناس يكبُرون شأنك ومكانك، وليس الكرسي الوثير، أو تدرج المراتب في الوصول إلى عرشك العظيم، فربما نسيت أنك موظف بقرار وخروجك منه بالإهمال، أما نحن فلو لا علو مقام من عيَّنك في نفوسنا، لرجمناك بالقول معنوياً لا بالفعل، ولكن عليك أن تحذر من التقصير في واجبك الموكول إليك أداءه، فهو أمانة في عنقك في الدنيا والآخرة، هذا، إذا أردت أن نُغيّر نظرتنا نحوك، وتظفر باحترامنا لك.

أيُّها المسؤول الكبير المحترم .. هلاّ هيّأت موظفي مؤسستك، حتى يستطيعوا الحلول تدريجياً في مراتب العمل، وتقديم خدمة مُحترمة لطالبي الخدمة دون مِنّة عليهم أو ملل، ودون عُقد تكدير ونكد، وهل تبنّيتم المَجيدين بإخلاص لتصنعوا منهم قادة الغد، أم أتّبعتم فيهم أسلوب التطنيش والتطفيش، والركل إلى الأسفل، أو أعطيتموهم من المسؤولية ما يوازي مفتاح العريش، حتى تظل أنت وأركان مؤسستك في ثبات إلى الأبد، كالعسو بلا نبات ولا نضج ثمر، فلا يقيض وهو حِلْكٌ حتى على الحيوان.

أيُّها المسؤول الكبير المحترم .. أصدقنا القول، إن كنت تريد أن تقنعنا، أنك حقاً كبير في مقامك وشأنك معنا، هل حاولت يوماً زيارة الجامعات والكليات المحلية أو الخارجية، باحثاً بين ثناياها على نوابغ الطلبة، لتتبنى بعضهم وتضمهم إلى مؤسستك بعد تخرجهم، ولتصنع منهم قيادات شابة طموحة لخدمة الوطن، أم تركت الآخرين يسبقونك إليهم، وإغرائهم بالعروض المجزية، ونهجت - أنت - نهج النائحين على الأطلال، تردد مقولة " لو فيهم خيراً لوطنهم لما اختطفهم الطير" وستظل تكيل فيهم التهم بالقول، إنهم ضعيفو الوطنية في الشعور بالمسؤولية، والكثير من الأقوال المسلية للمهزوم الذي يئد النجاحات في مهدها.

أيها المسؤول الكبير المحترم .. هل علمت أنّ المواطن أصبح يشعر اليوم ببعدك عنه؟ وأن المسافات آخذة في الاتّساع بعداً منهم، على عكس المسؤول في السنوات الماضية، حيث كان شعور معظمهم - آنذاك - بأنّ الوظيفة تكليف ومسؤولية، وليست نفوذاً أو سُلطة ووجاهة، كما يُظنها بعضكم اليوم، وإن معظم المسؤولين في الماضي، كانت أبوابهم أوسع لاستقبال الناس، واليوم أضحت القلة القليلة من تلك الأبواب تفتح بسعة صدر، فهل تعلمون أنّ بعض المسؤولين يكون طلب مقابلتهم من قبل المواطن بمثابة التفضل والتشريف لهم، ومع ذلك يتمنعون ويطنشون قبول هذا الفضل، فربما ظنّ أنّ تمنعه يكسبه رفعة وعلواً في الأرض، وهناك من يُريك نجوم الضحى، حتى تصل إلى باب الحاجب الرابع، وستظل سنوات أخرى حتى تصل الثالث والثاني، أما الحاجب الأول فأسهل لك أن تشوف الوزير في الشارع، ولكن هو لن تراه حتى في الشارع، وخير لك ألا تراه، لأنّه أصبح من قوم فرعون سلوكاً والعياذ بالله.

 

 

 

 

 

أيها المسؤول الكبير المحترم .. هل تعلم أن بعض الوزراء - وهم قلة بالطبع - يذهبون للبحث عن المراجعين في قاعة الانتظار؟ ويحلون مشاكل وعُقد النّاس التي أوجدها بعض الموظفين، وذلك نتيجة زيادة الحرص، وربما فقدان الجرأة لضعف المعرفة، ذلك إن لم يكن طالهم الفساد لغياب الرقابة والتوجيه والإشراف، وإن الغياب عن الناس بقفل الأبواب، قد ولّد البيروقراطية الإدارية المقيّدة لتطور وتقدُّم الوطن، لأنّ المعلومة لا تصل من ملاحظة طالب الخدمة، أو من السماع لشكواه، وأن المسؤول الذي يذهب للمراجعين، أصبح الأكبر قدراً واحتراماً بين النَّاس، أما من صرَّ وجهه وصك بابه حتى لا يراه أحد، فهو مذموم مبغوض من كافة البشر، وبدون الاحترام والأخلاق وسعة البال، فلا جدوى من قعقعة المؤتمرات والندوات والورش، وحتى السفر إلى الخارج لحل العقد وكسر النكد، وما هي إلا سُبُل لإنفاد المال، وتضييع الجهد والوقت، أما تبسيط الإجراءات فليس إلا في أحلام اليقظة.

أيها المسؤولون المحترمون .. أكنتم كباراً أم صغاراً، فإنّه قد آن الأوان لمراجعة الذات، ومحاسبة النفس ومنع الزلات، عودوا بدفء المحبة بينكم والناس، احتراماً وتقديراً للقائد الباني لعُمان - حفظه الله ورعاه – فخذوا منه القدوة الحسنة في عمله، لا بتقليده في سلطانه ومكانه، فذلك شأن محصور في مقام جلالة سلطان عُمان المعظم، وإنما قلدوا العطاء والإخلاص والوفاء، والتفاني والمثابرة في حب عُمان ورقيها ورفعة شأنها، وراجعوا يومكم لتعرفوا ماذا قدمتم للوطن، وليس ما أخذتم منه أو بسببه، حفظ الله عُمان وقائدها الفذ المفدى، وأنعم الله على شعبها بالخير العميم، آمين يا رب العلمين.

 

Safeway.om@gmail.com