صلوا على النبي .. فالأمور طيبة!

زاهر بن حارث المحروقي

قبل سنوات حكى لي أحد الموظفين معاناته مع مسؤوليه، شاكياً "تخلُف عقولهم وجمودها" -حسب رأيه-، قائلاً إنّهم لا يعيشون الواقع ولا يدرون ما يدور حولهم، لدرجة أنّه فضّل أن ينطوي على نفسه ولا يتفاعل معهم، وألا يحضر أيَّ اجتماع يعقدونه، لأنّ هذه الاجتماعات أصبحت تشكِّل كابوساً مرعباً بالنسبة له، فهَمُّ المسؤولين هو فرض "جهالتهم" على الكلِّ، وأنّ الاجتماعات إنّما هي لفرض الرأي فقط دون أيِّ مناقشة، وعندما كان متحمساً للعطاء ويطرح أفكاره وآراءه ويدخل في مناقشات حول ذلك، فيحس المسؤول الكبير بفشله وقلة حيلته، كان يأمره وسط الجميع بأن يُصلي على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، إسكاتاً له، وتكرَّر ذلك الأمر كثيراً فما كان منه في إحدى المرات قبل أن ينقطع عن الاجتماعات إلا أن رفض الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، قائلاً لمسؤوله أريد أن أصلي على الرسول من قلبي لا بأوامر صارمة منك.

عندما يكون المسؤول ليس مبتكراً ولا يملك الحلول وليس أهلاً أن يتابع الأمور، ويكون فاقداً لأيِّ تجديد في العمل، ولا يدري ما يدور حوله بحيث تنحصر مسؤوليته فقط في التوقيع على الإجازات السنوية والاهتمام فقط بمسألة الحضور والغياب والانصراف، فهذا سببٌ أساسيٌّ من أسباب الجمود، وهذا ينطبق على أيَّ مسؤول -سواء كان صغيراً أو كبيراً-، وكلما كبر المنصب كبرت المصيبة؛ لذا فإنّي أتفهم تماماً موقف صاحبي هذا ومشكلته، عندما يفرض عليه المسؤول أن يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم، تغطية لفشله وجموده عندما يحس أن موظفه في سبيله لأن يفحمه.

وما حكاه لي صاحبي هذا، ينطبق على مسؤولين كثيرين في قطاعات مُختلفة في الدولة، عندما يتجاهلون الواقع والتحديات الكثيرة التي تُحيط بعُمان الآن، سواء في الشؤون الداخلية أو الخارجية، بترديدهم كلمة "الأمور طيبة"، وكأنّ هذه الكلمة تحمل السحر كله لحلِّ كلّ المشكلات، والتي تأتي في مقدمتها الثقة المفقودة الآن بين الشعب والحكومة، بسبب تراكمات كثيرة جعلت النَّاس يعيشون القلق على المستقبل، بعد انخفاض أسعار النفط، والأوضاعِ الاقتصادية الصعبة خاصة مع بعض التصريحات التي تُطالب المواطنين بأن يتحملوا التضحية، وهم الذين لم يُستشاروا في الخطط الاقتصادية السابقة، وقد ظلوا يصدقون كلمة "الأمور طيبة" حتى وقع الفأس على الرأس.

عندما يفقد المواطن الثقة في الحكومة فهو معذور، لأنّه شاهد مشاريع بالمليارات تضيع سدى، وشاهد مشاريع كان يمكن إنجازها بأقل التكاليف فإذا هي بأضعاف مضاعفة، وشاهد مشاريع تستمر سنوات حتى يتم إنجازها، وبعد الإنجاز ظهرت العيوب الكثيرة، وقرأ عبر وسائل الإعلام الفساد المستشري، ثم يستمع إلى بيانات تطمينية تقول علناً ما يعني أنّ الأمور طيبة، في وقتٍ عندما تلتقي فيه أيّ مسؤول ستجد لديه الهواجس نفسها التي عند المواطن العادي، خوفاً وقلقاً على مستقبل البلد ومُستقبل الجيل القادم. وهنا يحار المرء، في هذه الحالة أين الخلل؟ ومن يتحمل المسؤولية؟ وأين الحل؟ وكيف يمكن أن نجد هذا الحل إذا كان من يُفترض أنهم أصحاب القرار يرددون ما يردده المواطن العادي؟ ثم من هو الذي يتخذ القرار في الأصل؟!.

عادة لا أحب تضخيم المواضيع، وأعلم مسبقاً أنّ الشعوب هي شريكة في مصير الأوطان ويجب أن تتحمل دورها أيضاً، هذه حقيقة، وأعلم تماماً أنّ الحكومة العمانية قدَّمت الكثير للمواطنين -ولا ينكر ذلك إلا جاحد-، ولكن لا يعني ذلك أن نحمِّل الناس الآن مسؤولية الوضع الاقتصادي الصعب ثم نعيش على وهم اسمه "الأمور طيبة"؛ فالأمور تحتاج إلى دراسة وبحث، وتحتاج إلى إيجاد الحلول لكثير من المشكلات العالقة، ابتداءً من التسريع في إيجاد البدائل عن النفط، لأنّ معظم الناس يتناقشون في مجالسهم الخاصة أنّ بعض المشاريع الصغيرة قد فشلت وهي التي دفعت لها الدولة المبالغ الكثيرة، مثل المطارات وغيرها، فكيف ستنجح المشاريع الكبيرة مثل مشاريع الدُّقم وغيرها؟ وهذا يؤكد بدوره فقدان الثقة الذي أصبح الآن مرضاً مستديماً، يحتاج هذا المرض إلى علاجات كبيرة قد تصل إلى البتر، حتى تعود الثقة إلى المواطنين، ولا تنفع كلمة "الأمور طيبة"، فهذه الكلمة قد يكون لها آثار سلبية في المستقبل، تماماً مثل مريض يُعاني ما يعانيه فيقول له الطبيب "أمورك طيبة وصحتك على ما يُرام"، حتى تنهار صحة المريض تماماً ويصبح جثة هامدة.

أنا شخصياً سمعت كلمة "الأمور طيبة" كثيراً، لدرجة أني كفرت بها مثلما رفض صاحبي الصلاة على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم "تحت الفرض" -حسب قوله-. ويجب أن يتحلى المسؤولون بالشجاعة ويواجهوا أسئلة الحاضر والمستقبل مواجهة صريحة لا بالهروب والاختباء تحت أيِّ وهم من الأهام، لأني أعتقد أنّ من يعيش الأوهام فإمّا أنه يكذب على نفسه أو أنّه لا يعلم ما يدور حوله، وفي كلتا الحالتين فإنّ الأمر مصيبة، ويدل على الهروب من مواجهة الواقع. ولا أدري هل نُعاني من أزمة عقل وتفكير أو أزمة الإخلاص والولاء والانتماء؟ أم أنّ هناك أموراً أخرى لا نعلمها؟

لقد مرَّت على عُمان تجربة عام 2011، ويبدو أنّ الجهات الرسمية لم تستفد منها، إذ شكلت تلك التجربةُ ميداناً واسعاً لبناء المستقبل على أسس مدروسة، من منطلق طرح أسئلة مثل: ماذا حدث؟ ولماذا حدث؟ وكيف حدث؟ وما هو الضمان لعدم حدوثه مستقبلاً؟.

إنّ وجود مركز لاستشراف المستقبل في عُمان أصبح أمراً ضرورياً وملحاً وبسرعة، لأنّ قراءة المستقبل تختلف عن قراءة الطالع والنجوم والشعوذة، ولأنّ هناك تحديات كثيرة تواجه عُمان داخلياً وخارجياً، وهي التحديات التي يعلمها الجميع ويتحدثون عنها في مجالسهم الخاصة والعامة، ولا يُمكن أن نركز على كلمة "الأمور طيبة" ونترك الأمور تمشي بالبركة أو بدعاء الوالدين فقط، ونفرح بأيِّ تغريدة تنشر في الخارج تمدحنا، وكأننا نعاني من عقدة النقص، وندع قراءة الواقع كما هو؛ فهذه الحال تشبه تماماً النعامة التي تخفي رأسها في الرمال وتعتقد أنّ أحداً لا يراها؛ والخوفُ أن يأتي يومٌ يحاول فيه كلُّ أحد أو طرف أن يلقي اللوم على الطرف الآخر، ليظهر هو بمظهر البريء بحثاً عن كبش فداء.