أحجية "الأسود الثلاثة"

 

حسين الغافري

كيف يُمكن تفسير تخبُّط المنتخب الإنجليزي مَهد كرة القدم في المحافل القارية والدولية وضياعه عن منافسه حقيقية ترقى بأحد قوى كرة القدم المعاصرة؟! أو كيف يمكن أن تستمر حالة البرود وتجاهل تقييم الحضور الفعلي في المشاركات الرسمية المختلفة؟! غريب فعلاً ما يحدث للمنتخب الإنجليزي في بقعة أرض يدور داخلها أقوى وأغنى دوري كرة قدم على الإطلاق، وتتحرك فيها أموال الاستثمارات بشكل متصاعد. ولعل من سخرية القدر خروج بريطانيا من "الاتحاد الأوروبي" حفز المنتخب الإنجليزي على تكرار خروجه "السريع" من اليورو في مباراة كبيرة قدمها المنتخب الأيسلندي ذو الإمكانيات البسيطة مادياً إذا ما قورِنت بالأسود الثلاثة؛ حتى إنَّ كل مصاريف المنتخب الأيسلندي لا تعادل أجر راتب واحد لروني قائد الإنجليز!

ومع أنَّ التاريخ الإنجليزي المرتبط بكرة القدم عميق جداً؛ إلا أنَّ نتائجهم الرسمية في مختلف البطولات الرسمية ككأس العالم وتصفياته، وبطولة كأس الأمم الأوروبية وتصفياته يبدو ضبابياً بشكل واضح مقارنة بنتائج كبار القارة العجوز، ولا يكاد يُذكر حتى. المنتخب الإنجليزي لم يلعب طوال تاريخه إلا نهائي واحدًا فقط عندما استضافت إنجلترا بطولة كأس العالم وحققتها عام 1966م، ووصل ثلاث مرات فقط لنصف النهائي في البطولتين.

خرجت إنجلترا -التي تمتلك أغنى دوري بالعالم، وأكثره شراسة وتنافسية وإثارة- ويمكن القول بأن من بين الأسباب الرئيسية في الوهن الذي يعاني منه المنتخب هو هذا الدوري التنافسي الشرس؛ فغالبية نجوم المنتخب الإنجليزي ينشطون في بلادهم، والبطولات الإنجليزية تنطلق مبكراً في أغسطس وتستمر لغاية مايو من كل عام، والبطولات لا تكاد تتوقف إلا لأسبوع واحد وهو وقت أعياد رأس السنة ما يفسر ضغوطات المباريات وإنهاك اللاعبين فيما بعد البطولات المحلية والأوروبية. يمكن كذلك وضع غياب الإستراتيجية الواضحة المعالم كثاني سبب للإشكالية الحاصلة. المنتخب يفتقر لخطط واضحة طموحة، فمن غير المعقول أن يكون الخروج المعتاد سواء من أمم أوروبا أو كأس العالم لا يستفز مسيري الكرة الإنجليزية ولا يغضب الجماهير. وهنا لا أقصد "الحسرة الوقتية" التي تعقب كل خروج!

صحيح أنَّ أسهل تغيير في عالم كرة القدم هو تغيير "المدرب"؛ فهو شماعة لأي إخفاق، ولإطفاء الانتقادات التي قد تطال اللاعبين واتحاد الكرة من قبل القنوات الإعلامية والجماهير، إلا أنَّ المنتخب الإنجليزي "فعلياً" يصطدم بقرارات هشة في عالم التدريب. على سبيل المثال: هودجسون لم يقدم أي إضافة للمنتخب، ولم تظهر له أي بوادر ليكون مدربًا يُتوقع منه حمل إنجلترا بعيداً، فمع ما يملكه من أسماء إلا أنه واجه صعوبات في قراءة المباريات والرجوع فيها، أضف إلى ذلك أن إنجلترا لم تظهر لها شخصية وأسلوب لعب يميزها عن غيرها مثلما هو أسلوب لعب إسبانيا أو كونتي إيطاليا أو لوف ألمانيا، فآخر طريقة لعب عرف بها الإنجليز كانت الكرات الطويلة أيام السويدي آريكسون.

ومع ضعف القيادة الفنية للمنتخب الإنجليزي، فقد واجه ضعفًا واضحًا في القيادة الفردية داخل الملعب. المنتخب بدا ضعيفاً في حضور النجم القائد داخل الميدان وغابت الحلول الفردية من لاعبين تصل قيمتهم السوقية إلى أرقام كبيرة! إذًاً، هي أزمة مستمرة ترافق الإنجليز باستمرار والخلاص منها يحتاج إلى قرارات جريئة قد تؤتي ثمارها على المدى البعيد. مثلاً، تخفيف أعباء كثرة البطولات المحلية والاكتفاء بالدوري المحلي وكأس إنجلترا مثلما هو معمول في مختلف الدول الأوروبية. أيضاً تعزيز القيادة الفنية للمنتخب باسم كبير بخطط وطموحات واضحة، يكون كتلة من اللاعبين وبحسب رؤيته تستحق فعليًّا أن تحمل علم الأسود الثلاثة.. وإلا، فإنَّ منتخب إنجلترا سيستمر على حال نتائجه في مختلف مشاركاته الكروية ولو لألف عام قادم!