عبيدلي العبيدلي
تناقلت وسائل الإعلام ما أفصحت عنه وزارة الداخلية السعودية بشأن الهجوم على القنصلية الأمريكية بجدة، والذي جاء في البيان بشأنه "أن انتحاريا فجر نفسه قرب القنصلية الأمريكية بمحافظة جدة، في ساعة مبكرة من صباح الاثنين 4 يوليو/تموز، دون أن يُسفر التفجير عن وقوع ضحايا، (مضيفة)، أن رجال الأمن اشتبهوا في تحركات مريبة لأحد الأشخاص بالقرب من مستشفى (الدكتور سلمان)، وعندما حاولوا اعتراضه والتحقق من هويته بادر بتفجير نفسه". وتجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض لها "القنصلية الأمريكية بجدة التي كانت مسرحا لهجوم مسلح في العام 2004، وقد قتل فيه آنذاك 9 أشخاص".
يحمل هذه الهجوم مدلولات في غاية الأهمية، ومخاطر لا تقل أهمية عنها، بفضل التوقيت والمكان المستهدف.
فعلى مستوى المدلولات يمكن رصد الأهم منها في النقاط التالية:
· ضرب عصفورين بحجر واحد: الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية. فكون الهدف أمريكي، لكنه فوق الأراضي السعودية، يعني أن الدولتين معنيتين بشكل مباشر. ومن ثم فهي رسالة واضحة تؤكد بأن المعركة غير موجهة ضد أحدهما وتستثني الآخر، مع تلميح غير مباشر لواشنطن أن المقصود الأساس هو الرياض.
· تحريك المياه الساكنة داخل المملكة السعودية، التي نجحت إلى حد بعيد، في تطويق تداعيات الحراك العربي على امتداد السنوات الخمس الماضية من جانب، وخاضت معاركها الخارجية من خلال تحالفات نسجتها بشكل سريع، تحاشيا لتحملها مسؤولية حسم الأمور بمفردها. من جانب آخر ومن هنا فهي رسالة واضحة تقول إن ليس هناك من هو بعيد عن ذراع واحدة من القوى التي وقفت وراء ذلك الحراك بشكل مباشر أو غير مباشر.
· دعوة السعودية، التي من الطبيعي ستكون قادرة على الوصول إلى الجهات التي حاولت تنفيذ العملية، إلى الحوار السياسي معها، بدلا من الاضطرار إلى الحل العسكري، معتمدة في ذلك على أسلوب الترهيب المادي، بعد أن فشلت، من وجهة نظر تلك القوى، جميع ضغوطات القوى الناعمة الأخرى التي كانت تسعى لنيل بعض التنازلات من "الرياض"، تسبق الوصول إلى تسوية عامة تشمل بلدان منطقة الشرق الأوسط كافة.
· بث رسائل غير مباشرة لدول الخليج العربي الأخرى، وخاصة تلك التي لم تعرف تفجيرات مشابهة، أنها ليست بعيدة عن الأيدي ذاتها التي حاولت الوصول القنصلية الأمريكية بجدة. مثل تلك الإشارات، وحتى إن كانت غير مباشرة، لكنها تعطي أكلها في مراحل خلط الأوراق، وخاصة عند المنعطفات الحادة كتلك التي تشهدها منطقة الخليج في هذه الأيام.
على نحو مواز، هناك المخاطر التي تكتنفها العملية، حتى عند فشلها، والتي يمكن حصر الأهم بينها في النقاط التالية:
· انضمام السعودية إلى الدول العربية الأخرى التي عرفت حراكات مسلحة مشابهة، كبداية لاشتعال الصدامات المسلحة فوق أراضيها. ينبغي الإشارة هنا إلى أن التفجيرات السابقة التي تعرضت لها السعودية، كانت متناثرة، وبعيدة عن الحراك الذي نتحدث عنه، ومن ثم فهي لا تصنف ضمن عملياته المسلحة. ومتى ما تم ذلك يتراجع أي أمل في بروز حركة سلمية مدنية تطالب بالحد الأدنى من الإصلاحات المطلوبة.
· انتقال أعمال العنف إلى واحدة من أهم الدول العربية التي بقت محافظة على تماسكها في وجه أعاصير الحراك العربي الأخير، الأمر الذي يجعل منها الدولة العربية القادرة على قيادة المعسكر العربي في حال أية تسوية محتملة. ينطبق هذا التشخيص على السعودية عندما نلقي نظرة على الأوضاع المتردية التي تعاني منها الدول العربية الكبيرة الأخرى مثل العراق وسوريا التي تئن تحت أثقال المعارك التي اجتاحت أراضيها خلال السنوات الخمس الماضية من جانب، والتشظيات الاجتماعية التي عصفت بتكويناتها الاجتماعية والسياسية من جانب آخر. يضاف إلى ذلك الاستنزاف غير المتوقف لقواها العسكرية الذي نخر مؤسساتها الحربية.
· استخدام هذه التفجيرات كرافعة لإشعال فتيل صدامات من مستوى ونمط آخر، يتجاوز المؤسسات الدبلوماسية، وربما يصل إلى المؤسسات الدينية التي بوسعها أن تكون الشرارة التي تشعل حروبا أهلية متعددة الأوجه في المملكة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، الحروب المذهبية، وأخرى وطنية بين جاليات واسعة الانتشار في أرجاء المملكة.
تأسيسا على كل ما تقدم، وفي ضوء التطورات التي تعرفها ساحات عربية أخرى تشارك السعودية في الحلول المطروحة بشأنها من خلال التدخل العسكري المباشر، والمشروعات السياسية غير المباشرة، يمكننا القول بأن المملكة باتت في مرمى حجر القوى التي من مصلحتها إضعاف السعودية.