الوطن بخير .. لا داعي للتكهنات

علي بن كفيتان بيت سعيد

تصاعدت الأصوات التي تصف الوضع الاقتصادي للسلطنة مؤخراً ولعل الندوة الأخيرة التي نظمتها اللجنة الاقتصادية بمجلس الشورى واقتطفت منها مواقع التواصل الاجتماعي المقاطع الأكثر تشاؤماً وضبابية لمستقبل الاقتصاد العُماني وأصبحت تنتشر كالنار في الهشيم مما ولد شعوراً بعدم الثقة في تخطى الأزمة المالية بسلام.

هناك الكثير من التساؤلات فإذا كان الوضع بهذه الهشاشة التي أوضحها بعض المحاضرين والمتداخلين في تلك الندوة فإنّ الأمر يحتاج لإعلان الطوارئ فالبلد لن تصمد أكثر من ثلاث سنوات لكي نتمكن من العيش وفق المستوى المعيشي الحالي بعد الرفع التدريجي للدعم عن المشتقات النفطية والمناورة لرفع الدعم عن قطاعات أخرى كالكهرباء والماء فماذا تبقى ليرفع الدعم عنه لا أظن تبقى شيء سوى عدد من السلع الغذائية والتي لن يُغني رفع الدعم عنها شيئاً سوى مزيد من الربكة في أوساط النّاس، لماذا نحن الأقل صمودا أمام الأزمات الاقتصادية مقارنة بدول أخرى عندها الاستطاعة للبقاء في رفاهيتها لمدة عشرين عامًا وأخرى أكثر من ذلك؟

كثر الحديث عن الفساد ورحيل رؤوس الأموال مع بداية كل أزمة وعودتها عندما ترجع الأمطار للمضارب وتخضر الأرض فلا يترك الرعي للذين جابهوا القحط بل يوصفون بأنّهم لا يستطيعون أن يجلبوا الاستثمار الأجنبي وليس لديهم الدراية الكافية لتنفيذ المشاريع العملاقة، الكثيرون لا يفهمون هذا المنطق فمن يتحمل الجدب ويقاوم في أسوأ الظروف ويصبر على حر ولهيب ودين وطنه هو الأحق بأن يتم تهيئته ودعمه والوقوف بجانبه لأننا نعلم يقيناً بأنّه لا يظعن عندما يختفي البساط الأخضر.

في هذه الندوة هناك من نادى بالواقعية وعدم العيش في الأحلام الوردية بأن يأتوا من قطفوا ثمار النهضة وينقذونا من الأزمة المالية وهذه نظرة صائبة فالأموال أصبحت حقوقاً شخصية وللشخص التصرف بها حيثما يشاء سواء خزنها في مندوس جده القديمة أو رحلها للبنوك الغربية خوفاً من خسارتها إذا خسر الوطن ولكنه سيعود إذا ربح الوطن وذلك من منطلق العرض والطلب بعيدًا عن العاطفة، وهنا يجب أن نحفظ حق أصحاب الأموال المخلصين الذين وظفوا مئات المواطنين في شركاتهم ولهم أيادٍ بيضاء لا ينكرها أحد على الأسر المعسرة، ومن هم تحت مظلة الضمان الاجتماعي ولا شك لدينا بأنّهم سيدعمون البلد في هذه الضائقة المالية إذا تطلب الأمر وهم معروفون منهم من لا زال حي أطال الله في أعمارهم ومنهم من قضى نحبه ولا زلنا نتذكر فضائلهم.

وهناك آخرون أثخنوا الجراح وطالبوا بخفض الرواتب معتقدين أنّ هذا هو الحل الأنسب وبأن من رفع الرواتب ووحد جداولها ارتكب جريمة في حق الوطن قبل عدة أعوام ولا شك أنّه ضد توظيف الشباب العمانيين بعد أحداث 2011 ولا يعلم صاحبنا بأنّ هؤلاء تدور أموالهم في البلد ونعتقد أنّ هذا الطرح لا يخدم الأزمة بل سيزيد من الاحتقان الذي يروج له خلال الفترة الأخيرة لقد طالت الأزمة حياة الناس من خلال إجراءات رفع الدعم عن المحروقات، وكذلك فرض المزيد من الضرائب الحكومية على الكثير من الخدمات ولم يبقى إلا الراتب المثقل بالأزمات فإذا تمّ المساس به أصبحنا كمن يستأجر شقة في عمارة بدون عقد ليس وطناً نستظل به جميعاً.

الشباب في هذه الندوة كان لهم صوت خافت فلا توظيف ولا ترقيات ورغم ذلك لفت انتباهي أحد المتحدثين الشباب وقال أتركوا الحل علينا كشباب وسوف نعالجه وفق رؤيتنا وكان متفائلاً في طرحه للحلول وأعتقد أنّ هذه الشريحة هي أكبر المتضررين من تبعات الوضع الراهن وهم من يمتلكون الحل الذي ندعو الله أن يكون هيناً هذه المرة.

لا نُريد المحاسبة في الوقت الراهن بل نُريد تكاتف الجميع مع الوطن فهناك مثل عسكري قديم يقول (نفذ ومن ثمّ ناقش) فنحن في أتون المعركة ولا يجوز أن نترك أنفسنا نخسرها لكي نخوض في نقاشات لا طائل منها وليس لدينا الوقت الكافي للبحث عن من تسبب بهذه الأزمة ولا نرغب في معرفة أرقام ما تبقى من رصيد عمان لأن عمان رصيدها هو دماؤنا التي لا تنضب.

في الختام نسجل تقديرنا للدور المتنامي اللجنة الاقتصادية بمجلس الشورى ورئيسها الذين خرجوا للناس بمثل هذا النوع من التنفيس بالرغم مما صدر عنه من وجهات نظر متباينة وربما متشائمة لكنها حركت الرأي العام والكل وجد ضالته فيها فمن كان متربصًا عزف على وتر الفساد وهناك من بات حائرًا لا يفهم ما يجرى ولكنهم باتوا ينامون على مؤشر ارتفاع وهبوط أسعار النفط آملين أن يجدوا ضالتهم فيه رغم أنه هو من خذلنا باستمرار ولم نستفد من تجاربنا السابقة وآخرون كانوا أكثر رحمة بالوطن وصمتوا لثقتهم بأن من قاد البلاد لنصف قرن دون عثرات قادر بتوفيق الله ومن ثم بحكمته ورؤيته الثاقبة على تخطي هذه الكبوة.

حفظ الله عمان وأدام على جلالة السلطان نعمة الصحة والعافية .

alikafetan@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة