الوطن أمانة

حميد بن مسلم السعيدي

 

الوطن ليس تلك الأرض التي نعيش عليها فقط، وإنما هو المكان الذي يمثل إنسانيتنا ووجودنا على وجه المعمورة، فهو نبض القلب الذي لا يخفت أو يكل، وهو الروح الخالدة التي يتدفق من شريانها دماء الحياة التي نعيش عليها، فالقلب يزداد خفقاناً عندما يكون الحديث عن عُمان، والعقل يتفجر بالحب النابض بها، إنّه العشق الأبدي الخالد لهذا الوطن، والذي يحمله كل العُمانيين في قلوبهم ودمائهم التي لا تجري إلا بحب عُمان، فالأقلام تظل عاجزة عن وصف ذلك الحب الذي تميز به هذا الشعب على مر العصور، فأفعالهم ظلت منقوشة على الحجر تستوضح تضحيات رجال هذا الوطن في سبيل حريته وبقائه.

هذا الانتماء الوطني الحقيقي والحب الخالد لا تهزه الأحداث أو الأزمات الاقتصادية أو السياسية، فكل أبناء هذا الوطن تظل قلوبهم وأرواحهم تلهج بالدعاء بالخير والأمن والسلام لهذا الوطن، والتاريخ لا يخلو من الوقفات العُمانية التي ظلت ترسم الصورة الحقيقية للإنسان العُماني ولا أود العودة للماضي للحديث حولها بل ويكفينا مفخرة أحداث إعصار جونو التي رسمت ملحمة وطنية عُمانية خالصة، تبين مدى انتماء المواطن لهذه الأرض وكيف كانت الوقفة الجماعية من كل العُمانيين لنجده هذا الوطن، فمنها نمتلك الأدلة على أن العُماني الأصيل لا تُغيره الأزمنة بل إنّها تصنع منه المواطن الحقيقي والفاعل في مجتمعه المدني، والذي ظل صامداً عبر التاريخ ليعلم الآخرين عن هذا الحب الذي أعجزهم تفسيره.

والوطن اليوم يمر بمرحلة اقتصادية حرجة أوضحت العديد من الفجوات في استثماراتنا الاقتصادية وفي دورنا كمواطنين منتجين أو قادرين على قيادة التغير للأفضل، فكل ما يحدث من تغير إيجابياً أو سلبياً نحن جزء منه، ويجب أن نؤمن أن رفعة مكانة هذا الوطن قائمة على المواطن المُخلص والقادر على صناعة مستقبل مُتقدم له، فكل الدول المتقدمة والحضارات السابقة حتى الحضارة العُمانية في أوج تقدمها قامت على يد المواطنين، فهم المورد البشري الذي لا ينضب والقوة الصناعية القادرة على التَّقدم والتطور، فكلما كانت هناك رؤية واضحة له كان أكثر مقدرة على الإنتاج، وما أقصده هنا هو الإنتاج الفكر والابتكار والإبداعي، فطالما نحن لا نفكر إيجابياً فسنظل أفرادا مستهلكين لا أكثر تهزنا الأزمات الاقتصادية العابرة والتي يعيشها العالم بصورة عامة.

وربما قبلها نتأثر فكرياً ونفسياً نتيجة فاعلية العالم الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي والصحافة الإعلامية والتي أصبحت مجالاً خصباً لإظهار معدن كثيرٍ من الأفراد ممن يحاول أن يستغلوا تلك الأزمة - الركوب على ظهرها-ليظهر نفسه بأنّ صاحب الوطنية العليا والمتشدق بالمعرفة التامة والكمال في الشخصية، فيحاول مداعبة أفكار الشباب ويستغل سنهم العمري وحماس قوتهم في نشر توجهات ورسائل سلبية تجاه الوطن وكأننا نعيش مرحلة السقوط والانهيار، دون إدارك لحجم تلك المنشورات وتأثيرها وتراكمها فكرياً لديهم، مما يُخلق حالة من الامتعاض والاحتقان لكل ما هو موجود على هذه الأرض وكأننا خلقنا للفشل والفساد، دون النظر إلى أنّ هناك العديد من النجاحات الاستثمارية والإيجابية لهذا الوطن، وما زلنا نفتخر بعهد هذه النهضة المباركة في ظل القيادة الحكيمة من لدن مولاي جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم الذي أعطى العهد والوفاء لهذا الوطن، وأحدث نقلة نوعية من مرحلة الجهل والتخلف إلى مرحلة مُتقدمة يعيش فيها المواطن بسخاء.

لذا علينا أن ندرك جيداً أنّ هذا العالم الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي ليست دائمًا تقدم الغايات السامية أو الرسائل الإيجابية فهناك من يظهر الصورة الإيجابية أو السلبية ليبطنها بخفايا متضمنة في رسائل يحاول أن يوصل مقاصد معنية تلامس الذات وتؤثر في الانتماءات الوطنية وتضر بالوطن، وتشعر الإنسان بالإحباط من كل شيء، وكأنّه يعيش مرحلة الغاب والسلب والاستغلال والفساد والإخفاق والفشل، دون النظر للجانب المُشرق في هذا الوطن وهنا تكمن خطورة مثل هذه المُخاطبات الفكرية مما يُسبب تراكمات لدى المواطن وخاصة فئة الشباب محاولاً استغلال حماسهم وقدراتهم الجسدية ونشاطهم في الجانب السلبي وخلق حالة من القناعة لديهم بالنظرة السلبية تجاه الوطن وهنا تكمن خطورة هذه المنشورات، فالواجب التعامل معها بإدراك ووعي وعدم الانفلات والتفكير في تقييمها بصورة إيجابية وبناءة.

فعُمان يجب أن تكون في قلوبنا وأن نتحمل المسؤولية الوطنية، ونؤدي واجباتنا بأمانة وإخلاص في سبيل الوطن، فالرسالة الوطنية لا تتوقف عند مدى معين فالوطن ليس تلك الخزانة المليئة بالمال متى إذا ما نضبت أو قلت تأثر أداؤنا وحبنا لها، أو حملنا حقائبنا ورحلنا بأموالنا وذهبنا باستثماراتنا للخارج فهي مصدرها عُمان، وعُمان هي الوطن والروح وهنا تظهر المواطنة الحقيقية وليست تلك المغلفة بالبورجوازية السوداء، أو كلما سمعنا قضية مُتعلقة بالفساد تجاوبنا معها سلباً في عطانا، وكنّا ناقدين سلبيين لا بنائيين واقعيين، فعلينا أن نصلح حالنا أولاً ثم نطالب بإصلاح الآخرين.

Hm.alsaidi2@gmail.com

 

تعليق عبر الفيس بوك