خفوا الوطء على الوطن فالحمل ثقيل

حمد بن سالم العلوي

إنّ الذي يمرُّ به الوطن شدة من شدائد الزمان لا تدوم، وهذا شأن مُتوقع وكذلك مُتكرر عبر العصور، والعاقل يعلم أنّ الله يمتحن عباده بالشدائد، فيُمحِّصهم بها ويقوي إيمانهم بربهم، بحيث لا يُنسيهم الترف ذكر الله، وشكر نعمه عليهم، فنرجو الله ألا نبلغُ مرحلة الترف، فتلك الدرجة التي يستدرج الله المترفين فيها بالفساد إلى العذاب، وفي القرآن الكريم الكثير من الحكم والمواعظ المنجية من الهلاك - والعياذ بالله - طبعاً ليس الكلام اليوم عن ترف أصاب الناس كلهم، وإنما ما أصاب جلهم ينذر بالخطر.

إذن لا ينبغي علينا أن نضجر من الشدائد ونتذمر منها، فهي موعظة وتنبيه من غفلة، وإنّ علينا أن نتمسك بوحدة الوطن ورص صفوف النّاس، حتى نخرج من الأزمة أقوياء، وستحصننا من أية فجوات قادمة، ولا ينبغي كذلك أن نتضجر من الإجراءات التي تتخذ من قبل الحكومة، فهي قد تكون من بعض ارتدادات هذه الأزمة العابرة، كوقف الترقيات والإضافات، أو حتى سحب سابقة بسبب خطأ في الإدارة وسوء التقدير، وعلينا أن نقدر هذا التصرف، مع علمنا أنه مؤثر على حياة الناس مهما كان بسيطاً، ولكن ليس اليوم الوقت المناسب للاعتراض والحساب، وذلك حتى ترسو السفينة على بر الأمان، فوقتذاك يجب أن يطالب بتصحيح المشكلة من جذورها، بأكثر من النظر في فقدان بعض الريالات، وإنما النظر في إرساء قواعد ارتكاز لاقتصاد قوي لا تهزه فقاعة نفط علمنا سلفاً تمرجحها، وعلى الحكومة ألا تبالغ في إجراءاتها، فقد يَرمد زيادة الكحل العين.

إنني كمواطن عُماني أركب مع الجميع في سفينة الوطن، فلا أرى إلا أنّ تحترم حقوق الناس، وكذلك أرى أن تقدّس الواجبات من قبل الناس باتجاه الوطن وقائده المفدى، وأرى أيضاً أن الفترة من عام 1986م هو تاريخ صدمة النفط الأولى، قد كانت كافية لتصحيح المسار، ولكن تقصير ما قد تسبب فيه بعض المسؤولين، الذين أُوكل إليهم تصحيح طريقة الأداء الوطني، فلم يرق التصحيح إلى مستوى إحداث التغيير المطلوب، فظل الأمر يدور بين طنطنة في وسائل الإعلام، وتناقل أحلام اليقظة بأننا في الطريق الصحيح، وظللنا نتلهى بخطط هلامية، لم يُشرك المواطن في وضع خطوطها العريضة، وإنما خطط يُدعى لها الغريب البعيد ليطرح ورقة مدفوعة الثمن، بغض النظر عن صلاحها من عدمه، فتلقى في حصون الترف في أرقى فنادق بذخ الضيافة، وكان أشهر تلك الخطط الخطة 2020 إذن لدينا مآخذ على هذا الماضي، ولكن لا يجب أن نقف عليها اليوم، لأنّ الظرف غير مواتٍ للمحاسبة.

لقد اضطررت إلى ذكر هذه المقدمة، حتى أبيّن للإخوة الأعزاء، ممن يشعرون اليوم بالغبن والغضاضة، وذلك على وقف بعض الريالات من الراتب، وهي ريالات لها قيمتها معكم ومع معظم المواطنين، ولكنها لا تحل المشكلة ولا تضمن عدم تكرارها، وكذلك طرحت هذه الإحاطة، حتى لا يقال ما ذنبنا اليوم نحمل من حمل المخطئين؟! فنحرم من حق الزيادة والترقيات؟ أو حتى سحبها كما يحدث للبعض، وهنا أقول إن تلك الأخطاء هي نتيجة ترف المسؤولية الناقصة، التي لم تكن في مستوى المسؤولية الكاملة، وربما يقال أيضاً لماذا أختير لها أولئك وهم ليس في مستواها؟ فنقول، هي مجاملات مسؤولين آخرين مُرشحين لهم، وعلى العموم إذا أردنا أن ندخل في نقاشات بيزنطية كهذه، فلن ينتهي الكلام.

ولكن ما نريد أن نصل إليه نحن كعمانيين، علينا أن نعلم أننا نركب سفينة واحدة، وعلينا توحيد الصفوف حتى ننجو من مخاطر الأزمة، لأن تفرقنا حتماً سيزيدها سوءاً، لأن العواصف المحيطة بسفينتنا كثيرة، فهناك عواصف الحسد على الأمن والاستقرار، وعواصف الجذب إلى تبعية القطيع، وعواصف الجر إلى الطائفية والمذهبية، وعواصف السياسة والتحزُّب، وعواصف النفط والمال والاقتصاد، وسمي ما شئت من عواصف الشّر والغدر والظلم، فليس والله لنا نجاة منها إذا لم نعتصم بحبل الله جميعاً، والتعاون على سد ثقوب السفينة بعاجل الأمر، ونزف الماء إلى خارجها، وعندما نصل بإذن الله إلى بر الأمان، فوقتذاك، وعندما يقوى الجسم على تحمل العلاج، نبدأ بكي الثقوب لردمها وإصلاحها.

إنّ أيّ محاولة اليوم للعلاج بالكي، قد تتسبب في توسعة الفجوات، وهذا ليس في مصلحتنا، وإنما في مصلحة حاسدينا ومُبغضينا، وأصحاب العيون الضيِّقة، وهي كثر للأسف الشديد، لأنّ ما يُعزز ذلك ضعف الإيمان، والارتماء في أحضان الشيطان، لأولئك الحساد، لكن علينا أن ننظر لأي موقف فردي بخجل من ربان السفينة، فهذا الربان الذي أفنى سنيّ عمره لخدمتنا وخدمة عُمان، لا ينبغي أن ننغص نظرته إلينا، وهو يعمل على مد حبال السلامة، حتى لا تفك الأشرعة، فلا يجوز أن نأخذ اهتمامه إلى أمور جانبية، وقد علمتم يوم كان الظرف ممكنًا، فإنّه مدّ يده بالعطاء أكثر مما طلب النّاس، لأنّه يشعر بسعادتكم أكثر مما يشعر بها البعض أنفسهم، وإن الذي قدمه الربان للوطن يستحق الصبر والتضحية، فهو بحكمته وبعد نظره فتح باب التعليم والمعرفة واسعاً دون وجل منذ الوهلة الأولى، وفعل ذلك دون خوف من النّاس، فالآخرون يغلقون أبواب التعليم والحريات خوفاً على مركز القيادة والسيطرة، ومع أنه فتح الباب للعلم والحريات، ولكنه غير ملزم بأن يدخل القلوب لتوسعتها، أو النفوس ليعرف حجم الوطنية فيها، ودرجة صفاء الضمير، ونقائه وعمق سريرته.

 

إذن منطقياً اليوم في هذه المرحلة الحرجة، ألا يكون هناك فرصة لممارسة حق التظاهر والاعتصام، ولا الوقت مناسباً كذلك للمساءلة والحساب، لأننا كأمة عُمانية توارثت ثقافة التعايش والسلام، يمنعنا تاريخنا وإرثنا الطويل، الخروج من دوح المحبة والسلام، فإذا كانت نظرة للعالم لنا هكذا، فأولى بنا أن نصبغ على أنفسنا هذه السّمة الحميدة، وألا ننجر لعواطف جانحة عن الحق والصواب، وكل تصرف نقوم به، يجب أن يؤطر في سياق متصل بالثقافة العُمانية، وانضباطها الاجتماعي الأصيل.

إنّ التأثيرات الثقافية السلبية، يجب ألا تمنح تأشيرة دخول للأرض العُمانية، مهما لونت بألوان زاهية مغرية، لأن السُّم يُدسَّ في الدّسم، وإذا أراد أحد اليوم التحدث عن الحرية والديمقراطية، فإن عُمان سيدة في الحرية والعدالة والديمقراطية دون منازع، وأتحدى أي تقرير موضوعي مجرد، أن يقول غير ذلك، أما أن يأتي ذلك من منظمة مشبوهة مدسوسة، تعمل بدسم الدولار، فلا بد أن يصيب شبكية عينها إصابة مباشرة، فيعمي البصر والبصيرة وتجده مذاب الضمير والسريرة، فهو حتماً مردود عليه، لأن المادة هي ضميره وعقيدته، ونحن لا تعجزنا الشجاعة عن رؤية أخطائنا، وتصحيحها بأيدينا لا بأيدي المغرضين البغاة، والحديث عنها بحرية، ونعلم أن هناك من يجلس متربصاً، ويتكلم بعقيدة الشاة التي تتكلم عن عورات غيرها، ولكن ذيلها المرفوع دائمًا لا يغط عوراتها.

إذن لنستحي من عُمان وسلطانها المُبجل، بأن نلوك قلبها ونفت عضدها، وكان واجبنا التضحية بالروح فداءً لها ليس بالمال وحده، وأن تكون ثقتنا في سلطاننا الذي عهدناه قائداً حكيماً فذّاً، فإننا بإذن لله لن نذل أو نهزم، وهو عزوتنا وثروتنا وكنز زماننا، وكل مال يفقد اليوم في سبيل الوطن، يربو كالصدقات لمن استحقه، وإننا ننظر للمسؤول كقدوة، ليس بالمظهر في البشت والخنجر، وإنما بالتضحية ببعض الراتب والمكافآت والمكاسب، وأن يُضاعف الجهد في العطاء في العمل، وأن يقدم الكفاءات القوية في العمل، دون الولاءات الهزيلة المخلة والمخذلة، وأن يدرّب الأجيال لتحمل مسؤولية المستقبل، ونقول كفى تخاذلا وترهلا وعدم مبالاة، وإن المساءلة والمحاسبة بعد مرور العاصفة، حفظ الله عمان وسلطانها المعظم من كل سوء، وأعز الشعب العُماني المخلص الوفي.

 

Safeway.om@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك