العمالة الوافدة والتهديد الديموغرافي!

غصن العبري

حوارات كثيرة تدور بين المواطنين حول تدفق العمالة الوافدة إلى السلطنة والتي باتت تشكل تهديداً للتركيبة الديموغرافية للبلاد، وتستنزف خيراتها وثرواتها، حتى أضحى المواطن يشعر أنّ العمالة تنافسه في اكتساب الرز عبر دخولها إلى مجالات عمل غير مسموح لها بالعمل فيها. خاصة في ظل الأوضاع الناتجة عن انخفاض أسعار النفط.

وهناك أسئلة كثيرة تطرح من قبل الشباب حول تزايد نسبة الوافدين، وبحسب إحصائيات قد يصل عددهم إلى مليون وسبعمائة ألف وافد، مما يشكل تهديداً للشباب وفرص العمل.

وللوقوف على هذا الجانب لا بدَّ من البحث بعمق لمعرفة المُستفيد الأكبر من هذه الزيادة، وماهي الجهات المسؤولة عنها.

ومن هنا فعلى الجهات المسؤولة إعادة النظر في إجراءات استقدام الوافدين وتقنين طريقة دخولهم إلى البلاد، ووضع معايير مناسبة لذلك وربط ذلك بالحاجة الحقيقية لهم سواء كان ذلك في المزارع أو المنازل أو أعمال البناء وغيرها، كما على الحكومة إلزام الشركات الكبرى بتطبيق نسبة التعمين المطلوبة، وعدم اختصار ذلك على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فقط.

بالنسبة لشريحة الأفراد نجد في السنوات الأخيرة توسعا كبيرا في استقدام العمالة خاصة في مهنة المزارع وعاملات المنازل

وهاتان المهنتان إفراز لما حدث من تحول في حياة الأسرة العمانية فقد أصبح الشباب من الجنسين مشغولين إما بتحصيل العلم أو تحصيل الوظائف والأبوان قد تجاوزا مرحلة القدرة على إدارة شؤون البيت والمزرعة، ولكن هل تمّ الاكتفاء بعامل للمزرعة وعاملة واحدة بالبيت؟ الواقع يشير إلى غير ذلك فقد وصل الأمر ببعض الأسر أن يفوق عدد العمالة عدد أفراد الأسرة ولا أبالغ إن قلت إن بعض أفراد الأسر الذين ظلوا لسنوات باحثين عن عمل وكان يمكنهم إشغال وقتهم بالعمل محل العمالة الوافدة كانوا يستقدمون عمالة وافدة في بيوتهم بدلا من تعزيز وضع أسرهم مادياً.

لقد أصبح التقليد والإتكالية والمباهاة سمة من سمات المجتمع. واستنزفت العمالة دخل الأسر ما يقارب ثلاثين بالمئة وأحيانا يصل إلى خمسين بالمئة.

تلكم حكاية الشريحة التي تعد الأوضح والأسهل في بيان احتياجاتها للعمالة فما بالكم بالشريحة التالية وهي مؤسسات القطاع الخاص التي من المفترض أن تكون درجاتها ومستوياتها قد حددت لها العمالة اللازمة لنشاطها والتي لا تكاد مؤسسة إلا وقد استنفدت الأعداد المستحقة لها مثلما يحدث الآن في السرعات القصوى المحددة في الشوارع فلا تجد سائقاً إلا ويحرص على ألا تنقص سرعة سيارته عن الحد الأقصى، بل إن المؤسسات تجد من الحيل لزيادة العمالة لديها ما لا يجده قائد المركبة الذي يترصده الرادار. فكيف يتم ذلك؟ دعونا نطرح مثالا لما يحدث لعلنا نصل إلى جواب.

تقرر الحكومة إنشاء مشروع من المشاريع الحيوية في البلاد وتعرضه على الشركات الكبيرة وتشترط على من يتقدم لنيل المناقصة شروطا منها بيان رأس مال الشركة والمعدات والعمالة اللازمة لتنفيذ المشروع .

تلك الشروط لابد من توافرها لكي تدخل الشركة منافسة الحصول على المناقصة وليس فقط الفوز بها وهذا إجراء سليم من دون شك، ولكن ما الذي يحدث ما إن ترسو المناقصة على تلكم الشركة حتى تتقدم بطلب مزيد من العمالة لتسريع تنفيذ المشروع فتنال مرادها متناسية أنها لم تفز بالمشروع لو لم تستكمل كافة الشروط ومنها وجود العمالة وبما أن قانون المناقصات لا يمنع من تنازل الشركة عن جزء أو كل المشروع إلى شركة أخرى تقوم الشركة الحائزة على المشروع بإعطاء جانب منه إلى شركة أخرى فتتقدم الأخرى بطلب عمالة بحجة أنها حصلت على تنفيذ جانب من المشروع الحيوي فتنال مرادها لتقوم الثانية بإعطاء بعض الأعمال لشركة ثالثة فتتقدم كذلك بطلب عمالة جديدة وهكذا، كل ذلك يصب في مصلحة أفراد لا هم لهم سوى كسب المال وإن كان على حساب التركيبية الديموغرافية للمجتمع العماني.

أما الحكومة بصفتها الجهة المسؤولة فلها من وراء كل هذه العمالة ما لها، ذلك ان كل مأذونية تجلب للخزينة ما بين 150 إلى200 ريال ويمكن ببساطة معرفة كم يدخل على الخزينة من مليون وسبعمائة ألف عامل وافد بعد كل عامين، هذا عدا عن الأموال التي تحصل عليها الجهات المسؤولة عند هروب العامل من قيمة إيداع التذاكر والمأذونيات الجديدة.

وهكذا يتضح كيف أن الجميع قد أسهم في تكدس العمالة الوافدة وأن التقليل منها يتطلب تضافرا واستعدادا وتضحية من الجميع ليعود خير عمان للعمانيين.

فمن هنا على الجهات المسؤولة العمل على إعادة النظر في تقدير تكلفة المشاريع وعدم المبالغة فيها، وتعديل قانون المناقصات الذي يسمح للشركات بالتنازل دون ضوابط، وألا يكون لواضع خارطة المشروع دور في تنفيذه. كما ينبغي تكثيف التوعية بالأضرار البالغة التي تلحق بالجانب الاجتماعي والاقتصادي للأسرة جراء استجلاب العمالة الوافدة.

وهكذا يمكن تقنين روافد استقدام العمالة وإحلال العمانيين محل الوافدين من غير استقدام عمالة جديدة ريثما تتوازن الأمور ويعتمد الوطن على سواعد أبنائه اعتمادًا حقيقياً لا صوريًا كما هو حادث اليوم.

حفظ الله عُمان وقائدها ووسع عليهم أرزاقهم وأدام عليهم نعمة الأمن والاطمئنان ورغد العيش إنّه سميع مجيب.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة