رياضة رمضان.. لا إفراط ولا تفريط

المعتصم البوسعيدي

رمضان شهر حركة وبركة، وعبادات لا تقع فقط في الصلاة والصيام والقيام وتلاوة القرآن، بل إن كلَّ لحظة يؤدي فيها الإنسانُ حقيقة وجوده بالقولِ والعمل هي عبادة تستحق منا مضاعفتها في رمضان؛ حيث يتضاعف الآجر والثواب.

لا يمكن مقارنة شهر رمضان المبارك ببقية شهور السنة من كافة النواحي، حتى استشعار قدومه له طعم آخر وأحاسيس مختلفة، وهذا ديدن المسلم وفطرته السليمة، وتُشكل أيام الشهر الفضيل فرصة ـ أيضًا ـ لممارسة سلوكيات غيبتها زحمة الشهور الأخرى بمشاغلِها "وبقلة الهِمّة" وبالتأكيد فإن الجانب البدني يحظى بقسط من الاهتمامِ لدىّ كُل شخص.

ثمةَ من يجِزم بان الدورات والبطولات الرمضانية وخاصة المتعلقة بكرة القدم جزء أصيل من تراثِ شهر رمضان، ووجودها ضرورة تقتضي المشاركة والحرص على التواجدِ فيها، والواقع يشير لتزايدها بالصورةِ التي -أعتقد- يجب الوقوف عندها وتمحيص آلياتها وأهدافها، ويبدو أن هذا الأمر استرعى انتباه إدارات المنتخبات والأندية؛ حيث اطلعنا على التعاطي الحازم حول مشاركة اللاعبين، وهذا ما نشاهده أيضًا في المحيط العربي ولغة التحذير للحفاظِ على سلامةِ اللاعب من جهة، ومصلحة النادي أو المنتخب من جهة أخرى، علمًا بان التوقيت الصيفي الحالي يُحتم على الرياضي في حالِ عدم ارتباطه بمشاركات رسمية الخضوع لراحة إجبارية قبل الدخول في استعداداتِ الموسم الجديد.

نتفق بأنَّ الرياضة في رمضان مهمة جدًا في ظل طبيعة المأكل والمشرب، والحالة الذهنية للصائم من حيث إقباله وتفاعل جسده مع الرياضة خاصة للطامحين في تخفيض الوزن، كما نتفق ان الرياضة والدورات الرمضانية فرصة للتلاقي وتعزيز أواصر الأخوة والصداقة، لكن الإفراط في الرياضة يخرج المرء من صفته العبادية وفرصته الذهبية عندما يُغالي بشغل رمضان بدورات مرهقة للجسم، وهادرة للوقت، ومخلة بميزان التعاطي بين لباس الليل ومعاش النهار، كما أنها باتت تقام "بعشوائيات" على مستوى التنظيم والتوقيت والمكان على حد سواء، ولعلَّ انتشار ملاعب "الترتان" ساعدت في ازدياد هذه العشوائية مع ما تمثله من مخاطر على مستوى إصاباتها الخطيرة.

لقد لعبت الدورات الرمضانية في فترة زمنية سابقة دور "كشاف المواهب" وأعتقد إنها فقدت هذه المزِيَّةَ بنسبة عالية، فكل شيء تغير وباتت هناك أكاديميات ومدارس وأندية محترفة ودوريات تضم جميع الفئات العمرية ودوريات للفرق "الرديفة"، لذا فمع عدم التفريط بالرياضة في الشهر المبارك لا نحتاج للإفراط؛ بل للوسطية والاعتدال بنوعية دورات توازن بين قيمتها الفنية وطبيعتها الاجتماعية التطوعية والترفيهية، وقد يمثل الشهر الفضيل فرصة للاعبين القدامى والنجوم المعتزلين لسيرورةِ حياتهم الرياضية، علاوة على إمكانيةِ استخدام مثل هذه الدورات كمنصة لبثِ رسائل توعوية هادفة تُلامس القضايا المجتمعية المختلفة.

الدعوة لعدم الإفراط والتفريط ليست مؤسسية بقدر ما تكون ذاتية ومجتمعية، وأمامنا جيل يجب ان يُغرس فيه قيمة الوقت؛ فابن القيم يقول: "إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها" فكيف بالوقتِ في رمضان؟! وعمرنا مسؤول عنه فيما أفنيناه؟! والله يقول في محكم آياته (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا)، كل عام ونحن جميعًا نرقى بتقوى الله في رمضان.

تعليق عبر الفيس بوك