فانوس عزة

عزيزة راشد

الموت لا يوجع الموتى .. الموت يوجع الأحياء

محمود درويش

عندما أخبرتها أنني سأغادر إلى القاهرة سألتني: ومتى تأخذينني للجولة التي وعدتني بها لأرى كورنيش مطرح والميناء والأسواق؟ أجبتها: عند عودتي، فقالت: أريد فانوس رمضان من القاهرة، عُدت لأجدها ميتة!!..

عزة : لماذا تركت الفانوس وحيدًا؟

ماذا يُريد الموت منِّا؟ نحن الضعفاء أمامه، قد نملك القوة والنفوذ والسلطة والجاه والمال لكننا لا نملك طريقة رده أو صده، فقط جُل ما نستطيع تجاهه هو تأجيله، فنطلب من الدكتور الأدوية القوية، ونتغذى جيدًا، ونُمارس الرياضة، نفعل كل الطرق لتأجيل الموت، كما قال سير أوليفر هولمز: الموت يهمس باستمرار في أذني: عش، فأنا في طريقي إليك.

عندما نموت نرحل تاركين كل شيء، نترك عطورنا الزكية وثيابنا الجميلة وأصدقاءنا الأوفياء وعاداتنا اليومية، نغادر النهار إلى ظلام دامس وصمت إلى ما لا نهاية.

رغم أن قيساً بن ساعدة أشهر خطباء سوق عكاظ في الجاهلية يقول: إنّه من عاش مات، ومن مات فات، إلا أنّ الميت يترك لنا ذكرياته وتوصياته وحاجياته، وأشياء كثيرة لا تنسى، بعض الموتى يتركون خلفهم ظلامًا نخفي فيه دموعنا، وصوت حنون يحتوي أرواحنا التائهة، يا لغرابة الموت يأخذ منِّا الأحبة ويترك بعضًا من شظاياه، وهو ذو ذوق رفيع فلا يأخذ سوى الأجمل والأحسن والأكرم والأطيب والأروع.

أحيانًا يأتي الموت في ميعاده وأحيانًا أخرى يأتي في غير موعده، وفي أوقات يأتي فجأة، يفاجئك بحضوره رغم أنّك قد تكون مشغولاً عنه إلا أنّه لا يذهب إلا بعد إكمال مهمته، كما يقول يوسف السباعي: لقد عودنا الموت أن يكون طائشًا أحمقاً، فهو زائر لا معاد له، يزورنا بسبب وبلا سبب، أحيانًا نخلق للموت أسباباً وأحيانا نستدرجه وفي النهاية لا يقع في الفخ إلا نحن ولا ينتصر إلا هو.

ماذا يُريد الموت منّا ونحن الذين لم نحقق أحلامنا بعد، ونسيج أمنياتنا لا تزال خيوطه تغزل، لا تزال عزة تتمنى أن تعلق فانوس رمضان على باب بيتها، رحلت وبقي الفانوس، وأمنيات أخرى كثيرة، ما الذي يعجل بالموت لتحقيق رغبته بسرعة فائقة، دون أن يمنح ضحاياه الوقت حتى لالتفاته، نُعزي أنفسنا أنها كانت ساعة مكتوبة ومقررة، ونُجيب على الأسئلة بالصمت.

تعليق عبر الفيس بوك