ما بعد جلسة وزيرة التربية والتعليم!

أمل الجهورية

يمثل التعليم في أي دولة من دول العالم إحدى الاستراتيجيات القوميّة التي يعول عليها النهوض بالمجتمعات والرقي بالأمم، ومن خلالها تتشكل صورة ذلك المجتمع، وتبرز ملامح التطور والتغيير فيه؛ حيث يعتبر النظام التربوي والتعليمي الركيزة الأساسيّة والقلب النابض لأنظمة المجتمع المختلفة السياسية والاقتصادية والثقافية، وتشكل مسألة الإصلاح التربوي واحدة من القضايا المهمة في مجال الحياة السياسية والاجتماعية للعالم المعاصر، وهذا المنهج التي انتهجته السلطنة في بناء نهضتها منذ عام 1970م حين قال قائد البلاد المفدى - حفظه الله وأبقاه- "سنعلم أبناءنا ولو تحت ظل الشجر" فرسم بتلك الكلمات منهجاً واضحاُ لمسار التعليم في عمان، ليؤكد لأبناء هذا الوطن ومسؤوليه أنّ التعليم هو الهدف الأسمى مهما كان مستوى الإمكانيات المتاحة، لأننا من خلاله نستطيع العبور إلى الضفة الأخرى من الحلم الجميل الذي سنستيقظ على حقيقته يوماً ما، فكان الوعد حقاً، والحلم حقيقة نلمسها اليوم فيما تحقق لعمان وأبنائها من نهضة في مختلف المجالات.

وظلت تلك الكلمات ناقوساً يضيء درب الطامحين، وقولاً تردده أفواه الغيورين على مستوى التعليم ونهضته في هذا البلد، وكانت قبة مجلس الشورى الموطن الأهم أن تذكر فيه تلك العبارة؛ ليقف بها أعضاء المجلس أمام معالي وزيرة التربية والتعليم في جلستهم الاعتيادية السابعة عشرة لدور الانعقاد السنوي الأول من الفترة الثامنة مستشهدين بها على أهميّة مراجعة سياسات التعليم في السلطنة ومناقشة تحدياته المختلفة، والوصول إلى صياغة مشتركة يستطيع من خلالها البرلمان أن يقدم دوراً ملموساً في تعزيز واقع منظومة التعليم العماني بمختلف مجالاته بما يتاوفر من إمكانيات وطاقات بشرية، مدركين أنّ بناء الأوطان لا يستقيم إلا بنهضة علميّة صحيحة تسير جنباً إلى جنب مع ما يشهده العالم من تتطور علمي ومعرفي.

طرحت الجلسة التي استمرت على مدى يومين متتاليين كثيراً من النقاشات الساخنة من قبل أعضاء المجلس في إطار المحاور التي استعرضتها معالي وزيرة التربية حول الاستراتيجية والخطط الخمسية ونسبة الإنجاز فيها، والجودة في التعليم والمناهج التعليمية، والتشريعات والسياسات المنظمة للتعليم، والتعليم المدرسي الخاص في السلطنة، بالإضافة إلى الدراسات والمسابقات الدولية، وقطاع التعليم والموارد البشريّة والتخصصيّة في الخدمات والمشاريع التربوية، فكان الاستفسار عن قانون التعليم هو الأبرز بين المواضيع المطروحة، والذي ينظر إليه البعض بأنّه الباب الموصد الذي سيفتح المجال لتذليل الكثير من التحديات المتعلقة بقطاع التعليم، وسيضع النقاط على الحروف المبهمة، وطالب البعض بتوضيح نسبة الإنجاز من الإستراتيجية التعليمية 2020م التي كان من الأولى توضيحها قبل التحول إلى إستراتيجية 2040، وفي الجانب الآخر طالب البعض بتوضيح نتائج الدراسات التي قامت بها الوزارة في سبيل تقييم التعليم، ومنها دراسة بيت الخبرة النيوزلندي والذي قام بدارسة تقييمة عن التعليم في السلطنة ولم تظهر نتائجها للمجتمع، وتساءل البعض عن موضوع هام متعلق بمظاهر تغييب الثقافة العمانيّة وعدم مراعاة العادات والتقاليد والقيم العمانية الأصيلة في المدارس الخاصة من خلال تبني الكثير من العادات والممارسات التي لا تمت للمجتمع العماني بصلة، وتطرّقت أسئلة أعضاء المجلس إلى ماهيّة المعايير الوطنية المُعدة من قبل الوزارة والتي كانت يفترض أن توازي المعايير الدولية كما هو مخطط لها وأنّها في واقعها لا ترقى لتصنيفها لمستوى المعايير فهي أقرب للمخرجات؛ حيث لا توجد مؤشرات أداء ولا أفعال تعكس مستويات التعليم، وتساءل البعض عن أسباب تدني مخرجات التعليم في السلطنة وفق ما جاء في بعض المؤشرات التربوية بالرغم من الإنفاق الحكومي في القطاع التعليمي، والإستراتيجيات، والخطط التي تبنتها الوزارة، كما قدم أصحاب السعادة استفسارات حول بعض الدراسات التعليمية التي تم إعدادها ولم يتم تنفيذها من قبل الوزارة، كما طرحوا موضوع دمج طلبة ذوي الإعاقة في المدارس الحكومية، والارتفاع المستمر في تكاليف الالتحاق بالمدارس الخاصة بالإضافة إلى أسباب إغلاق بعض المدارس الخاصة. وطالب أعضاء المجلس بإقامة الدورات التدريبية للمعلمين في أوقات الإجازة وعدم تنفيذها خلال فترة العام الدراسي نظرًا لما قد تسببه من تأخر في المناهج الدراسيّة، كما استفسر أصحاب السعادة الأعضاء عن مدى توفر البيئة المناسبة والغرف الدراسية المناسبة لتدريس بعض المواد، وأكّدوا على أهميّة تعزيز دور الإعلام التربوي والمناهج الدراسية في تعزيز ثقافة الابتكار وريادة الأعمال، فيما طالب آخرون بضرورة اختيار كفاءات جيدة من المعلمين الوافدين الذين تتوفر لديهم المهارات المناسبة للتدريس، وتركزت المطالبات على صرف الترقيات لمستحقيها بالهيئة التدريسية، والاهتمام بالموارد البشرية، ووضع كاميرات مراقبة في المدارس خصوصًا في القاعات المغلقة، وغيرها من المواضيع الأخرى التي كانت في نطاق المحاور التي تضمنها البيان المقدم من قبل وزارة التربية والتعليم حول مسيرة التعليم والخطط والبرامج التي تنفذها الوزارة لخدمة منظومة التعليم في السلطنة.

إنّ المتابع لوقائع الجلسة يدرك أولاً مدى الجهد المبذول من قبل وزارة التربية والتعليم في السعي لتطوير المنظومة التعليمية في السلطنة والسير بها نحو مستويات تضاهي الطموحات مهما ظهر لنا من إخفاقات في بعض الجوانب لأنّ هذا الأمر موجود في مختلف المؤسسات، وفي الجانب المقابل تعكس مدى الحرص الذي يوليه أعضاء مجلس الشورى في متابعتهم وتقييمهم لدور المؤسسات الحكومية لا سيما المعنية بقطاع التعليم؛ حيث تضمّنت الجلسة نقاطاً بالغة الأهميّة تم البحث والتقصي والإعداد الجيد لها من قبل لجنة التربية والتعليم والبحث العلمي بالمجلس؛ ترجمة للدور والأهداف التي وجدت من أجلها لتضع المجلس أمام الصورة الواقعية للتعليم في السلطنة.

إن الدور الفعلي والحقيقي لأعضاء مجلس الشورى لم ينته بالمناقشات الطويلة، ولا البحث عن التحديات والمطالبة بتجاوزها، ونقل أعضاء المجلس لمطالب المعلمين وأولياء الأمور في ولاياتهم فحسب، بل ينبغي أن يبدأ الدور الحقيقي للمجلس بعد هذه الجلسة بوضع استراتيجيّة فعلية تعمل على تقييمها، ورصد جميع ما طرح فيها من مناقشات، وتوصيات وتشكيل فريق عمل يعمل على دراستها ومتابعتها مع المعنيين بالوزارة؛ لتتحول تلك المناقشات من مجرد كلمات منمقة، وتعبير عن الحرص والوطنية تجاه المجتمع، عبر وسائل الإعلام المختلفة، وتسجيل ترصده المضابط الخاصة بجلسات المجلس إلى واقع جميع ينهل الجميع من معينه، ويستشرف به رؤية جديدة لواقع ومستقبل التعليم في السلطنة، وتتم مراجعة نسبة إنجازة قبل أي استضافة جديدة لوزارة التربية والتعليم أمام مجلس الشورى في أعماله القادمة.

amal.shura@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك