مقترحات تربويّة

د. محمد العريمي

قال لي: لعلّك تابعت ما حدث خلال اليومين الماضيين من سجال وحراك مجتمعيّ حول بيان وزيرة التربية والتعليم، ونقاشات أعضاء مجلس الشورى حوله، وما صاحب ذلك من ردّة فعل مجتمعيّة واسعة تجاه ردود ونقاشات بعينها!

أجبته: تابعت ذلك كما تابعت قبلها نقاشات مشابهة، نقف في غالبها عند نقاط بعينها قد لا تكون هي الأهم، ونتجاهل نقاطاً أكثر أهميّة، ثم ننسى كل هذا وذاك بعد يوم أو اثنين، ونعود لأول السطر. ولأنّك طرحت الموضوع دعني أذكّرك بمقترحات ناديت بها كثيراً وأعيدها عليك مرّة أخرى لعلّ هناك من يجد في جملة أو كلمة منها ما يفيد العمليّة، ويسهم في تجويدها!

أولاً لابد من تحديد الأهداف العامة التي نريد إنجازها، أي بمعنى ماذا نريد من هذا المنتج بعد نحو 16 سنة من التعليم المدرسي والجامعي، وما درجة الجودة المصاحبة له والتي تؤهّله لكي ينافس في سوق العمل، وعلينا الخروج من حدود جملة (إخراج المواطن الصالح النافع لوطنه)، فهذا هدف عام، بل ينبغي أن تصاغ أهداف أكثر دقة وديناميكيّة، مع ربطها بواقع المجتمع وخصائصه، وبالتوجهات المستقبليّة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في السلطنة، وللعلم فمن يضع تلك الأهداف هي الحكومة ضمن استراتيجيّة متكاملة تقوم علي تنفيذها كافة الأطراف ذات العلاقة، بينما يكون دور وزارة التربية هو الإشراف على تنفيذ تلك الاستراتيجية لا وضعها!

أرى كذلك ضرورة وجود مكاتب مستقلّة لتقييم العمليّة التعليميّة، ورصد المؤشّرات المتعلقة بهذه العمليّة، بهدف إيجاد تغذية راجعة يمكن الاستفادة منها مستقبلاً في تجويد العمليّة التعليميّة، وضرورة وجود كيانات مستقلّة للمعلّمين توفّر لهم خدمات اجتماعيّة، وقانونيّة، وفكريّة موازية، وتتولى الحديث باسمهم، وتتعاون مع الوزارة في حلّ الإشكالات المتعلّقة بأوضاع المعلّمين، والتحدّيات التي يواجهونها، بالإضافة إلى خصخصة بعض القطاعات المساندة خاصّة خدمات الإرشاد والتوجيه في ظلّ وجود العشرات المتخصصين في هذا المجال والذين تحوّل بعضهم إلى موظفين بيروقراطيّين!

أرى كذلك ضرورة مراجعة أوضاع المعلم الاجتماعية والفنية والاقتصادية، من حيث إيجاد كادر خاص به يشتمل على مخصصات مالية تتناسب والجهد الذي يبذله، ويراعي التطور الفكري والوظيفي له، كما يعاد النظر في كافة القوانين الإدارية المنظمة لحركة التنقلات، والإجازات بمختلف أنواعها، فبعض هذه القوانين قد لا تتناسب وظروف المعلم، وبعضها لم تتعرض لتعديلات منذ فترات طويلة، بالإضافة إلى بناء أطر واضحة في عملية إعداد وتأهيل المعلمين قبل وأثناء الخدمة بما يضمن كفاءة المعلم ويحقق له الرضا المهني، ووضع قائمة بالكفايات الأساسية لممارسة مهنة التدريس الواجب توافرها لدى كل معلم، قبل التحاق الطالب بكليات التربية، والاهتمام بالثقافة الشخصية لدى المعلم، سواء من خلال طرح برامج ومساقات خاصة بذلك، أو من خلال برامج الإنماء المهني بعد ذلك، وذلك كي يتواكب والتدفق المعلوماتي الهائل في مختلف المجالات، كما أنّه من المهم تدرّج المعلم في عمله، وعدم انتقاله إلى مراحل تدريسية أو وظيفية أعلى إلا بعد اجتيازه اختبارات كفاية مناسبة للمرحلة القادمة، وربط ذلك بالعلاوات المالية، وهذا الأمر من شأنه أن يحقق مبدأ التنافسية، ويجعل المعلم أكثر حرصاً على تطوير مستواه الأكاديمي والمهني.

ولأنني وأنت، وبعض غيرنا كذلك كنّا نتأفّف من طول اليوم الدراسي، والملل المصاحب للتكرار اليومي للعمليّة التعليميّة، فمن المهم إيجاد بيئة تعليمية مناسبة للطالب، تغيّر نظرته إلى المدرسة، وتجعلها أكثر ديناميكية وحيوية وجذباً بالنسبة إليه، ولعلّ من بين المقترحات في هذا الشأن تطبيق نظام الساعات المعتمدة كبديل لنظام الحصص الحالي، مع توفير القاعات المتنوعة بالمدرسة لتفعيل هذا النظام بشكل ناجح، كي يمارس الطالب تعليمه وهواياته بشكل اختياري يتناسب مع قدراته وإمكاناته، وكل ذلك وفق إرشادات وتوجيهات من قبل المشرف الأكاديمي المفترض وجوده، ولابد للطالب أن يعلم جيداً حقوقه وواجباته، وأن يعيها، ويتحمل مسؤولية البحث عنها، والحفاظ عليها، والالتزام بواجباته تجاه نفسه ومجتمعه ووطنه، وإكسابه صفات المواطنة الحقّة من خلال الأنشطة الموجهة التي تعزز هذا الجانب لديه، والاهتمام بملف الطالب مع مراجعة خدمات الإرشاد النفسي والاجتماعي والصحي المقدمة للطالب حالياً، حيث أن كثيراً من المشاكل الطلابية الحالية هي بسبب ضعف الاهتمام بهذه الخدمات، فكم من الطلاب قد فقدناهم بسبب عدم فهمنا لظروفهم النفسية أو الاجتماعية، أو عدم قدرتنا على مساعدتهم نحو تجاوز تلك الظروف. كما أنّ حسن اختيار إخصائي الأنشطة، والإخصائي الاجتماعي القادر على التعامل مع المواهب والإمكانات والقدرات والظروف المختلفة لدى الطلاب لهو مطلب ملح في ظل بعض الاتهامات الموجهة بأنّ كثيراً من المجيدين في مختلف المجالات يبدعون خارج أسوار المدرسة أو بعد تخرّجهم منها! يعني بالعربي الفصيح أنّ الثلاثين طالباً الموجودين داخل الفصل لدى أكثرهم مهارات ومواهب وملكات وقدرات ينبغي على المدرسة إظهارها إلى النور لا الاكتفاء بالخمسة الموجودين في مقدّمة الفصل!

كما ينبغي أن تصمّم المناهج وفق وثائق معايير متكاملة لكل مادة من المواد، تتكون من مجالات، ومعايير، ومؤشرات يجمع بينها الترابط، وتتدرج في تحقيق الأهداف العامة لكل مادة ابتداء من المراحل الدنيا، وانتهاء بالصف الثاني عشر، متواكبة مع التطور العلمي الحاصل في مختلف المجالات، ومع التدفق المعلوماتي الهائل، يراعى في وضعها أخذ رأي كافة الأطراف المعنية من مؤسسة تربوية، وطالب، وولي أمر، وحتى أصحاب المؤسسات والشركات الخاصة، ذلك أنّ الطالب هو منتج يجب أن يتم تقديمه للمجتمع بشكل يتّسم بالجودة العالية، مع إشراك بيوت الخبرة المحلية، والمتخصصين، في وضع هذه المناهج من خلال عمل مسابقات لتأليف المناهج وفق الأهداف العامة التي تضعها الوزارة، دون الاقتصار على وضعها من قبل المختصين في الوزارة فقط.

علينا أن نسعى كذلك إلى تغيير النظرة تجاه التعلم التقني والمهني، فمازالت شريحة من المجتمع تنظر لهذا النوع من التعليم نظرة دونية، وأنّه مكان من لا مكان لهم بين أروقة الجامعات، وللأسف فهذه النظرة لم تتغير كثيراً منذ فترة طويلة، ومازلت أتذكر العشرات من المعارف ممن تركوا هذا النوع من التعليم لحجج واهية، دون تبصير حقيقي بأهميته، متناسين أنّ المجتمع لا يقوم بدون مخرجات هذا النوع، وغير مدركين أن بعض الدول قد تقبل السبّاك أو النجار أو الميكانيكي الماهر للهجرة إليها، وفي نفس الوقت قد ترفض حامل شهادة الدكتوراه في أحد التخصصات الإنسانية، لأنّ هذه المجتمعات تدرك جيّداً أهمية هذا النوع من التعليم، ومدى تأثيره في المجتمعات المتقدمة المتواصلة النمو الاقتصادي، ولربما يعود جزء من هذه النظرة الدونية لدينا تجاه التعليم التقني إلى ضعف الاهتمام به في مدارسنا في ظل نظام حصص لا يسمح كثيراً بأن نكشف عن إمكانات الطلاب المهنيّة، خاصة بعد إلغاء نظام التعليم الثانوي التجاري والصناعي والزراعي الذي كان مطبقاً في فترة من الفترات.

من المهم كذلك وجود مشاركة جادة من القطاع الخاص وأصحاب رؤوس الأموال، فلا يكفي أن نتبرع لبناء مسجد فقط، أو لدعم فريق الكرة بالنادي الفلاني، ما الذي يمنع لو خصص بعض الأفراد أو المؤسسات مبالغ معيّنة، أو نسباً محددة من إجمالي دخلها لدعم العملية التعليمية في المجتمع المحيط بها؟!

بقيت مقترحات أخرى، لكن المساحة المخصّصة لكتابة المقال لم تعد قادرة على إضافتها. عموماً ليست المشكلة في المقترحات، فهي كثيرة وعديدة وتكاد تطرح بشكل يومي. لابد من وجود الرؤية الواضحة أولاً ثم يأتي كل شيء.

تعليق عبر الفيس بوك