إلى لقاءٍ قريب

عيسى الرَّواحي

تمرُّ الأيام سِرَاعا دُوْن أن نشعر بذلك؛ فبَيْن بداية عام وانقضائه تَرَى تسارع الأيام وانقضاء الشهور؛ فتكاد تُدرك أعمالا مُؤجَّلة من العام المنصرم؛ لتلحق بأعمالك ومهامك الجديدة في عامِك الحالي، ولا رَيْب أنَّ سُرعة انقضاء الأيام والشهور من علامات آخر الزمان؛ حيث رُوِي أنَّه وَرَد عن النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاختراق السعفة). والسعفة هي الخُوصَةُ.

ولرُبَّ ما نراه نحن سريعا قد داهمنا الوقت في إنجاز أعمالنا ومهامنا لا يراه غيرنا كذلك، ويبقى العاقل الفطن من استغلَّ أوقاته بأيامها ولياليها في غير ضياع وهدر؛ فالوقت هو عمر الإنسان وهو محاسب عن كل لحظة من لحظات عمره، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه".

بالأمس القريب بدأ العام الدراسي 2015-2016م، بما يحمله من آمال وطموحات وتحديات وإنجازات، وكان لنا فيه في غالب الأحيان حديث أسبوعي عبر صفحات جريدتنا الغراء نتابع الوضع ونرقبه عن كثب، ونسعى بكلمتنا إلى إيصال رسالة إيجابية تخدم العملية التعليمية والمجتمع بشكل عام فيما يخطه قلمنا؛ فانقضتْ تسعة أشهر كاملة كلَمْحِ البصر أو هي أقرب، فبالأمس كتبنا عن بداية عام دراسي وفرحة أبنائنا بالعودة إلى المدارس، شاحذين هممهم، ومتطلعين بهم نحو مستقبل أفضل لهذا البلد العزيز المعطاء، وها نحن اليوم نكتب عن انقضاء العام الدراسي، وفرحة أبنائنا بالإجازة الصيفية.

ستنتهي هذا الأسبوع جميع اختبارات النقل من الخامس إلى الحادي عشر، ويقضون بعدها إجازة مدتها ثلاثة أشهر، وخلال هذه الأيام سيترقبون نتائج الدور الأول، ففيهم الناجح، وفيهم الناجح بتفوق، وفيهم المُرفع، وفيهم الراسب، وفيهم من سيقضي الأيام الأولى من رمضان الفضيل في اختبارات الدور الثاني، وهذا التفاوت سُنَّة كونية بين البشر منذ أن خلق الله الأرض وما عليها، ومرجع هذا التفاوت في المستويات هو التفاوت في الجد والاجتهاد، فلكل مجتهد نصيب، ومن زرع حصد، ومن سار على الدرب وصل، ومن طلب العُلا سهر الليالي، وربُّك لا يضيع أجرَ من أحسن عملا، ولكم يُؤسفنا حقا ويزعجنا كثيرا أمران اثنان في هذا الصدد؛ أولهما: التدني الكبير في المستويات الدراسية لأبنائنا الطلاب حسب مؤشرات نتائجهم، والأمر الآخر الذي لا يقلُّ إزعاجا هو عَدَم إعطاء الصورة الحقيقية لواقع مستويات الطلاب ونتائجهم الفعلية من قبل مدارس كثيرة؛ سواء من قبل الإدارة أو المدرسين؛ مما يتنافى مع أمانة ورسالة التعليم، ويعد بلا ريب غشا وتزييفا، وهذان الأمران قد تحدَّثنا عنهما في أكثر من مقال سابق، وبقي أن نؤكد أنه لن يستقيم التعليم إذا ظل الوضع بهذا الصورة.

ومع بداية إجازة طلبة النقل العام، بدأ طلاب الثاني عشر (الدبلوم العام) الاختبارات النهائية التي ستستمر حتى التاسع من رمضان بمشيئة الله تعالى، وكل الدعاء والرجاء لهم بالتوفيق والنجاح، وحيث إنهم يقضون عامهم الأخير بل أيامهم الأخيرة من مسيرة اثني عشر عاما دراسيا قضوها في المدارس؛ ليتطلَّعُوْن إلى مرحلة جامعية تفتح لهم آمالا نحو مستقبل علمي وعملي مشرقيْن بإذن الله تعالى.

ويبدو أنَّ هذه الدفعة من طلاب الدبلوم العام سيكون لهم نصيب من الأزمة المالية الحالية؛ سواء فيما يتعلق بتوظيفهم أو دراستهم الجامعية؛ حيث إنَّ المقاعد الدراسية الجامعية المخصصة للعام الدراسي المقبل ليست بذات الأعداد المخصصة في الأعوام الخمسة الماضية؛ مما يشير إلى أنَّ نسب الباحثين عن عمل سترتفع بشكل كبير متزايد خلال الأعوام المقبلة. وعليه، فإننا نأمل ونرجو بشدة إعادة النظر في أعداد المقاعد الدراسية الجامعية، والسعي قدر الإمكان إلى عدم المساس بأعدادها.

وبعد أن ينتهي طلاب الدبلوم العام من اختباراتهم النهائية، ستظل مدارسنا الجميلة بيوتنا الثانية قرابة شهرين كاملين كئيبة حزينة خاوية على عروشها، تتطاير في مرافقها وممراتها الأتربة وما تذروه الرياح من أوراق الشجر ونفايات البشر، وكم تحزن لحالها وترثى لواقعها عندما تدخلها فترة الصيف، فتجدها على ذلك الوضع الكئيب، بعد أن كانت عامرة بالعلم والحيوية والنشاط، مزدانة بأبنائها من الطلاب والمعلمين والزائرين وكافة العاملين يعلوها السمو والرفعة والعزة والشموخ.

وفي الوقت الذي تظلُّ فيه الصروح الشامخة مهجورة معدومة من الحياة، يسرح أبناؤنا الطلاب ويمرحون في قضاء إجازاتهم الصيفية بين اللهو واللعب عبر الملاعب أو الأجهزة الإلكترونية، وقل ما شئت من شتى أنواع اللعب والمتعة، وليس بقليل منهم -ولله الحمد- من يستثمرون أوقاتهم في الصيف فيما ينفعهم ويصلح حالهم ومستقبلهم، سواء في العمل أو طلب العلم -سواء في المساجد عبر المراكز الصيفية، أو المعاهد والجامعات من خلال أخذ الدورات التخصصية في مختلف العلوم والمعارف- ولكننا نأمل ونرجو اليوم الذي تكون فيها مدارسنا عامرة خلال فترة الصيف؛ بحيث تحتضن كل راغب في نهل المزيد من العلم والمعرفة، كما هي الحال في البرامج التعليمية التي تنفِّذها وزارة التربية والتعليم في بعض المدارس.

وحيث إننا في مُقتبل الإجازة الصيفية وعلى مشارف شهر رمضان الكريم، فإنَّ أهم رسالة نوجِّهها إلى الآباء الكرام ضرورة متابعة أبنائهم فترة الصيف ليله ونهاره، وأهمية -بل ضرورة- تخصيص وقت مُحدَّد لهم مع كتاب ربهم وتعليمهم ضرورات دينهم في العقيدة والفقه، وألا يُترك الحبل لهم على الغارب، خاصة فيما يخص سهرهم إلى أنصاف الليالي، أو فيما يتعلق باقتناء الأجهزة الإلكترونية والعكوف عليها. وحسب وجهة نظري، فإنَّ شراء دراجة هوائية للابن خير من شراء جهاز آيباد، وتشجيعه على ممارسة الرياضة المفيدة في الملعب بأخلاقياتها الحميدة خير من عكوفه على التلفاز وأجهزة (البلايستيشن)، وفي جميع الأحوال فإنَّه على كل ولي أمر أن يدرك أن أبناءه أمانة استرعاه الله إياهم، وهو مسؤول عن رعيته في الدنيا والآخرة، وبقي أن نقول لمدارسنا الجملية الغالية العزيزة في قلوبنا: إلى لقاء قريب قادم بإذن الله تعالى.

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك