المناسبات الكروية الكبرى.. لنتعلم منها

أحمد السَّلماني

وأنا أكتبُ سطورَ هذا المقال، لم يبقَ على موقعة "السانسيرو" بإيطاليا بين قطبي العاصمة الإسبانية ريال مدريد وجاره اللدود وأحد أشرس فرق آوروبا أتليتكو مدريد، سوى ساعات قليلة فقط، في مباراة قُدِّر لها أن تكون خاتمة الموسم الكروي؛ ليُسدل الستار على الدوريات وبطولات الأندية، ويفسح المجال أمام البطولات الدولة القارية.

... إنَّ تواجد الملكي وأتليتكو من إسبانيا في نهائي دوري الأبطال، وقبل ذلك بموسمين أيضا الأبطال هم من إسبانيا، وقبل أكثر من أسبوع توِّج إشبيلية الإسباني بلقب الدوري الأوروبي ولثالث مرة على التوالي، إنما يُعدُّ ترجمة حقيقية لعلو كعب المدرسة الإسبانية ومنهجيتها السليمة في إدارة كرة القدم، وأنها القوة الكروية العظمى اليوم مع كل التقدير والاحترام للمنهجية الألمانية الأكثر تنظيما في عالم كرة القدم والكاليشيو الإيطالي الذي صار من الماضي ولا عزاء للكرة اللاتينية سوى البكاء على منتخبات الزمن الجميل، رغم أن الإسبان والبرتغال هم أكثر من يترجم جمالية الكرة اللاتينية.

كما أنَّ المنتخب الإسباني وإذا ما استثينا مشاركته الهزيلة في كأس العالم الأخيرة، فإنَّه وفي آخر 8 سنوات بات رقما أوروبيا صعبا جدا، ومن رقي الكرة الإسبانية ومنهجيتها السليمة أفرزتْ لنا واحدا من أهم الدروس وهو تجديد الثقة بالمدرب بولوديسكي لقيادة المنتخب في الاستحقاقات القادمة بالرغم من الإخفاق المريع في المونديال، ووالله لو حدث ذلك مع منتخب عربي، فإنَّ الإقالة بعد خسارته الثانية مباشرة، هنا في منطقتنا العربية نفكر بقلوبنا وهناك في أوروبا يفكرون بعقولهم، كما وقبل أيام كان هناك لقاء للسيد رئيس اتحاد الكرة مع السفير التركي لبحث أوجه التعاون الكروي للاستفادة من التجربة التركية المتطورة وهي خطوة جيدة بلا شك، ولكن ما رأي السيد خالد بن حمد لو وجه البوصلة باتجاة الكرة الإسبانية هذه، ومنذ سنوات تتحدَّث بلغة الإجادة والتفوق، خاصة وأنَّ دفة الإدارة الفنية لمنتخبنا يقودها إسباني، لم يرتقِ لمستوى المدرسة التي تخرج منها بعد فشله في الاختبار الأول.

ومن يلعب نهائي دوري الأبطال هما الريال وأتليتيكو في إيطاليا، فما بال الجماهير العربية عموما -والوسط الكروي العماني على وجه الخصوص- مشدودًا ومتأزمًا ومنقسمًا إلى معسكرين، أحدهما مع الريال والآخر يتمنى خسارته لأنه متعصب لبرشلونه، والجميع في جدال ويتقاذفون حتى الألفاظ النابية، بل إنَّ بعضهم -وللأسف- خرج عن حدود المعقول، وتبنى طقوسا غريبة وعجيبة في تشجيعه لهذا الفريق أو ذاك، هناك في أوروبا يستمتعون وهنا يتجادلون. شخصيا أعتبر المبالغة والدخول في هكذا مهاترات إنما هو من السفاهة وصاحبه يعاني قصورا في التفكير وهناك أولويات للإنسان أن يفكر ويتدبر فيها بدلًا من أن "مدريدي" وذاك أنا "كتلوني"، لا يا أخي أنت عُماني وعربي، تعشق كرة القدم هذا جميل لأنها معشوقة الملايين، ولكنَّ عشقك وانتماءك الكروي لمنتخب بلادك ولناديك ولفريقك المحبب وحتى هذه في حدود المعقول.

... إنَّ المباريات الكبيرة والمناسبات الكروية الكبرى إنما هي للمتعة والاستفادة منها في تطوير كرتنا وبطولاتنا المحلية وحتى الإقليمية؛ سواء أكان فنيا أو تنظيميا وكل في مجاله، اللاعب يتعلم الجديد في عالم كرة القدم، والمدرب يتابع التحليلات والتكتيكات الجديدة والمتطورة، والحكم يستفيد من أخطاء حكام مثل هذه البطولات، والإداري والمسؤول الرياضي يُتابع التنظيم في مثل هذه المناسبات الكبرى. وهنا مُناشدة للقائمين على رياضاتنا وبطولاتنا الكروية تحديدا في ابتعاث المختصين لمتابعة هذه البطولات من النواحي التنظيمية والفنية كل في مجاله، وبالتنسيق مع المنظمين لها وما أمم آوروبا وكوبا أمريكا عنا ببعيد. أما الجماهير، فتتابع كلَّ ذلك من أجل المتعة وتنمية ثقافتها الكروية بعيدة عن التعصب الأعمى والبغيض.

Hakeem225@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك