التعلم الإلكتروني المدمج وتنمية الفكر الناقد

عبيدلي العبيدلي

من إصدار مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت، وعلى امتداد ما يقارب من 300 صفحة من القطع المتوسط، توزعت على خمس فصول مادة كتاب " التعليم الإلكتروني المدمج، وأثره على مستوى التلقي وتنمية مهارات التفكير الناقد لدى الطلبة"، من تأليف د. عبد الله المطوع، ومحمد الشمري.

وتهدف هذه الدراسة الجادة، كما يقول مؤلفاها إلى "معرفة أثر التدريس بطريقة التعلم الإلكتروني المدمج Blended E-Learning باستخدام النشاطات التعليمية والمناقشة في تنمية مهارات التفكير الناقد، وتحسين التحصيل الأكاديمي لطلاب مقرر C Plus Plus، وذلك باستخدام المنهج التجريبي على عينة من طلاب كلية الهندسة في جامعة الكويت قوامها (45) طالباً. وبعد تطبيق الاختبار القبلي والبعدي للتفكير الناقد والاختبار النهائي للتحصيل على مدار فصل دراسي كامل كشف التحليل عن وجود فروق دالة إحصائياً عند مستوى (0.001)، بين متوسط تحصيل طلبة المجموعة التجريبية، ومتوسط تحصيل طلبة المجموعة الضابطة، ولصالح طلبة المجموعة التجريبية، وأظهرت النتائج أن هناك تحسّناً في أداء أفراد المجموعة التجريبية البعدي في مقياس لمهارات التفكير الناقد(الاستنتاج، المجموع الكلي)، فجاء الفرق بين الأداءين القبلي والبعدي لهذه المهارات دالاً إحصائياً عند مستوى (0.05) لصالح طلبة المجموعة التجريبية، كما أظهرت النتائج أيضاً أن المجموعة التجريبية قد حققت تحسناً دالاً عند مستوى 0.05 في مهارتي الافتراضات والاستنتاج، وفي الدرجة الكلية، وهي التي تعرضت لخبرات التعلم من خلال النشاطات التعليمية والمناقشة المستخدمة في التعلّم المدمج".

في الفصل الثاني من الكتاب، يحدد المؤلفان "الإطار النظري"، ويسردان مجموعة مختارة من "الدراسات السابقة" في ميدان التأسيس لمفاهيم وتطبيقات التعليم الإلكتروني المدمج، الذي ظهر "كأسلوب جديد في التعليم يجمع بين الطريقة التقليدية في التعليم وجها لوجه (Face to Face)، وبين التعليم عن بعد ببيئته التقليدية الافتراضية، وما تحمله من خصائص ومميزات".

وتتفق مع هذا التشخيص النظري الكثير من الكتابات الأخرى يرصدها د. أحمد محمد نوبي سعيد في بحثه "أثر الكائنات التعليمية الإلكترونية فى التعلم المدمج على التحصيل واتجاهات طلاب كليّة الطب بجامعة الخليج العربي نحو التعليم المدمج"، حيث يشير الي التعليم المدمج "بأنّه مزيج من التعلم الإلكتروني والعديد من أشكال التعلم التقليدية الأخرى، ويتضمن اختيارات تتعلق بكيفية تعلم المحتوى وأشكال مختلفة من أدوات الاتصال بين المتعلم وطلابه وبين الطلاب أنفسهم والطلاب والمحتوى. كما يرى تراب (Trapp, 2006) التعلم المدمج على أنّه التكامل بشكل واسع بين الوسائط التعليمية الإلكترونية والطرق التعليمية التقليدية. ويشير كل من كوندي وليفنجستون (Condie & Livingston, 2007) إلى أنّ تغيير الممارسات التعليمية سيتم بمزج التعلم التقليدي بالتعلم على الإنترنت وهو ما سيؤدى إلى التركيز على مهارات تعليمية مرغوبة مثل التفكير الناقد، وتحمل الطلاب لمسؤولياتهم فى عملية التعلم، وتنظيم عملية تداول مصادر التعلم وغيرها من أهداف التعلم، وما يهدف إليه التعلم المدمج أيضا هو دعم المتعلم بالمصادر التعليمية الإلكترونية فى وجود التعلم التقليدي".

ولا تكمن أهميّة التعليم المدمج، كما تقول عنها مدونة "التعليم الإلكتروني (http://alielearnning.blogspot.com/2012/12/blog-post.html ) في مجرد مزج أنماط نقل مختلفة، بل في التركيز على مخرجات التعليم وقطاع العمل، ولذلك يمكن إعادة صياغة هذا التعريف على النحو الآتي: يركز التعليم المدمج على التحقيق الأفضل لأهداف التعليم، من خلال استعمال تقنيات التعليم الصحيحة لمقابلة أنماط التعلم الشخصية الصحيحة من أجل نقل المهارات الصحيحة للشخص المناسب في الوقت الصحيح". وهذه الأهمية هي ما يوضحه الكتاب الذي يشير إلى ما للتعليم المدمج من دور مميز ملحوظ في "خدمة التعليم والتدريب في عالمنا العربي باتساع رقعته وتنوع النسيج الثقافي لأبنائه، وكثرة المشكلات التعليمية التي تعاني منها مؤسساته". وعليه يرى المؤلفان، كما ينقلان عن ماجد همايل بأن "التعليم الرقمي يوفر طيفا واسعا من طرق التوصيل والتفاعل مع المتعلم، فبإمكان المؤسسات التعليمية التكيف مع الواقع كل بحسب بيئته وبنيته التحتية واحتياجاته. ويسهم في تطوير وتحسين نوعية التعليم ويحد من مشكلة الأمية والتسرب، ويزيد من قدرة المؤسسة التعليمية على استيعاب أكبر عدد ممكن من الطلبة".

محطة مهمّة تتوقف عندها مادة الكتاب هي تلك العلاقة بين التعليم الإلكتروني المدمج، وتنمية الفكر الناقد عند المتلقي في العملية التعليمية التي يعتبرانها مرادفة "لمهارات التفكير العليا التي يتربع على "أعلى قمة هرمها التفكير الناقد". ويلقي المؤلفان الأضواء على أهمية التفكير الناقد في العملية التعليمية، مستشهدين في ذلك بمجموعة من الدراسات التي تدعو إلى تنمية "الفكر الناقد" في مسارات العلمية التعليمية نظرًا لما ينتج عن ذلك من "نقل المتعلمين من كونهم وعاء لنقل وحافظ للعلم إلى مفكرين ناقدين"، ويحثان على "تنمية المفكرين الناقدين كأولوية قومية لأسباب مدنية واقتصادية.. إذ يساعد التفكير النقدي الدارسين على اكتساب أطر وأبنية إدراكية حسية للفهم".

بقيت ضرورة الإشارة إلى أنّ الحديث عن تطوير التعليم من خلال تطوير أساليبه، لا يتوقف، كما يقول، محمد عبده راعب عماشه، من قسم إعداد معلم الحاسب الآلي في كلية المعلمين بالرس - جامعة القصيم، عند، ومن أجل "اقتناع الحكومات والشعوب معا أنّ النهضة الحقيقية في أي بلد لا يأتى إلا بنهضة تعليميّة حقيقية فالتعليم الجيد يؤدي إلى استثمار جيد ونهضة كبيرة لذا بدأت الحكومات تفكر في تغيير الأنظمة التعليميّة والتحول من التعليم التقليدي القائم على المعلم كمصدر أساسي ووحيد للمعلومات إلى تعليم إلكرتوني المعلم فيه مساعد ومكمل للتعليم، ويعتمد على مصادر الويب"، كي يتم المزج بشكل مبدع بين التعليم التقليدي والتعليم الإلكتروني، فيستفيد المعلم ويفيد من قيم الأول وإمكانات الثاني.

حاجتنا إلى التحوّل نحو التعليم الإلكتروني المدمج مصدرها الرئيس فقرنا في مؤسسات بناء التفكير الناقد وغرسه عميقا في أذهان أبنائنا.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة