خلفان الطوقي
كثيرًا ما يتحدث إلينا أصدقاؤنا ومعارفنا غير العُمانيين في عُمان وخارجها بأنّ العمانيين طيبون جدًا لدرجة عالية لا يتخيلها عقل وراقون جدًا لدرجة تجعل من يتعامل معهم يظن أنّه ليست لديهم مشاكل البتة، وتتردد على مسامعنا هذه العبارات بين الفينة والأخرى: " بصراحة أنتم العمانيون من أطيب الشعوب التي عاشرتها " أو " ما شفت طيبة مثل طيبة العمانيين" وغيرها من الجمل المثلجة للصدر بغض النظر عن صادقة كانت أو أنها من باب المجاملة البريئة والعابرة.
جملاً تبعث الانشراح في النفوس وتبث النشاط في العقول وترفع المعنويات، ولكن السؤال المهم هل "الطيبة" وحدها تكفي في هذا العصر المتسارع في خطاه، المتغير بين كل لحظة وأخرى، المتقلب في مزاجه، والمُعقد في أنظمته ومعداته، المتنوع في شخوصه، الدينامكي في تحدياته خاصة وأننا نمر بأزمة اقتصادية حقيقية؟.
تذكرت وأنا أكتب هذه المقالة محاضرة المُحاضر العالمي والكاتب الأمريكي المشهور "رون كوفمان" قبل عدة سنوات حينما استضافته شركة الطيران العماني لإلقاء محاضرة متخصصة عن جودة الخدمات، وقال بأنّ أصدقاءه كانوا يرددون قبل أن يصل لإلقاء محاضرته بالسلطنة بأنّ عمان بها أحد أطيب وأرقى شعوب العالم، وكان يتساءل أثناء إلقائه المحاضرة: هل هذا يكفي، وهل تتوقعون بطيبتكم أنكم ستتجاوزون المحن والمعضلات؟
قد يوافقني البعض بأن التحديات التي تمر بها السلطنة تحتاج إلى أكثر من ميزة "الطيبة" في موظفيها ومسؤوليها خاصة في القطاع الحكومي، والدور المستقبلي لن يقتصر على جهة بعينها دون غيرها، ولا أتصور بأيّ حال من الأحوال بأنّ القطاع الحكومي سيتمكن من حل المعضلات والصعاب بمعزل عن الآخرين، كما أنني على يقين جازم بأنّ القطاع الخاص لا يمكن أن يكون العصا السحرية التي يتم استخدامها في كل حين، كما أتوقع أن المجتمع المدني لا يمكن أن يقوم بدور فعال ما لم يجد الدعم من القطاعين العام والخاص.
لذا أرى أنّ تنمية العنصر البشري الفعلي وتطويره في السلطنة في الوقت الحالي أصبح أمرًا ملحاً وعاجلاً ولا يحتمل أي تأخير، ولا يمكن إلقاء الحمل برمته على الحكومة فقط واتهامها وجعلها شماعة، إنما يجب أن تلعب جميع الأطراف دورًا حقيقياً لتنمية العنصر البشري، فالحكومة لها دور التشريع وسن القوانين الكفيلة وتشجيع أفضل الممارسات في القطاع الخاص وتوفير الأرضية المناسبة والإمكانيات اللازمة ليقوم القطاع الخاص بدوره كما يجب، كما أنّ القطاع الخاص يجب أن يكون جادًا في تأهيل القوى العمانية العاملة وتحسين كافة السبل لتأهيلهم وتطويرهم علمياً ووظيفيًا، ولا يمكن لنا أن نستخف بالدور المأمول من مؤسسات المجتمع المدني لتكون جنبًا إلى جنب مع القطاعين العام والخاص في عملية تنمية العنصر البشري، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال الحوار البناء والمستمر والمبتعد كل البعد عن المصالح الشخصية والمركز على نقطة واحدة وهي "كيف لنا أن نطور الفرد العماني" ونسهل له كل الصعاب ليكون جزءًا من منظومة الإنتاج، وتكرار المحاولة إلى أن نجد الحلول، لكي تكون نتيجة هذا الحوار البناء والمستمر بناء شخصية عمانية قادرة على إيجاد الحلول الابتكارية والتأقلم بفائق السرعة مع متغيرات العصر، لكن هذا لا يعفي المواطن من مسؤوليته وأن يكون جزءًا من المنظومة، لأنه لن تنجح أي جهود مالم يتفاعل معها المواطن بمسؤولية وجدية وإيجابية.
وخلاصة القول، أن التنمية المستدامة لأيّ بلد هي سلسلة من العناصر ولا يمكن لجزء من هذه السلسلة العمل بمنأى عن الأخرى، كما أنها تتأثر وتؤثر على بعضها البعض، ولا يمكننا أن نستهين بالعنصر البشري في كل السلاسل والقطاعات لأنّه اللاعب الأساسي والمحوري في التنمية المتجددة، عموماً ما أجمل أن تضم الشخصية العمانية المهارات المهنية والحياتية لمستقبل مشرق وتغليفها بالسمة المميزة وبطيبتها المعهودة، علينا كدولة الاستفادة من اﻷساس الإنساني المتوفر ونوظفه بالطريقة الصحيحة ليكون نقطة انطلاق لأبعاد تنموية أخرى.
وإن كان لي مقترح عملي في هذا الشأن فاقترح إنشاء صندوق خاص لتأهيل العمانيين ويعمل بشكل متوازٍ مع توظيف الوافدين، وتكون إيراداته من خلال "مضاعفة" رسوم جلب العمالة غير العمانية، وأن تخصص النسبة الأكبر من هذه المبالغ لتأهيل العمانيين من خلال برامج تخصصية دقيقة يحتاجها سوق العمل بناءً على دراسات وإحصائيات ميدانية مبنية على أرقام واقعية تجمعها جهات مستقلة، وليست بناءً على اجتهادات وأمزجة وأجندات شخصية.