محمد العريمي
(1)
تحظر المادّة (18) من قانون العمل العماني على صاحب العمل استقدام عمال غير عمانيين ما لم يكن حاصلاً على ترخيص من الوزارة، ويشترط لمنح الترخيص: ألا يوجد من بين العمانيين العمالة الكافية للوظائف أو المهن المطلوبة.
ترى هل كلّ الوظائف الإداريّة والمحاسبيّة والفنيّة التي تشغلها العمالة الوافدة في كثير من المؤسّسات الخاصّة هي وظائف فوق طاقات وقدرات الشباب العماني؟! وهل يمكن الحديث كذلك عن عدم كفاية أعداد هؤلاء الشباب لشغل مثل هذه الوظائف في ظلّ تزايد أعداد الباحثين عن أيّ عمل؟! وهل الألوف من الوافدين الذين نراهم كلّ يوم هنا وهناك في ظروف اقتصاديّة واجتماعيّة جيّدة يعمل جلّهم في مهن ووظائف ذات تخصّصات نادرة؟!
هل المشكلة في التفاف بعض أصحاب هذه المؤسّسات على القوانين والتشريعات، أم في مدى قدرتنا على توجيه الشباب العماني نحو سوق العمل من خلال تغيير النظرة المرسومة تجاه العمل الحر أو العمل في القطاع الخاص، والتأهيل والتدريب، وتوفير البيئة المشجّعة على ذلك، أم في عدم تكافؤ الفرص الممنوحة للطرفين، أم في ماذا بالضبط؟!!
(2)
تنص المادّة السابقة كذلك على "أن يكون العامل من ذوي الكفاءة المهنية أو المهارة الفنية أو المؤهلات التي تحتاجها البلاد".
بند كهذا هل هو متحقّق بالفعل على أرض الواقع؟! وهل كلّ العمالة الوافدة التي يتم استقدامها متخصّصة وذات كفاءة ومهارة؟! وهل يعمل أغلب هؤلاء في الأعمال التي قدموا من أجلها فعلاً؟! وهل هناك أدوات فنّيّة ورقابيّة فاعلة للتأكّد من مدى تحقّق هذه المادّة؟!
(3)
بحسب المادة (34) "يلتزم صاحب العمل الذي يزاول عملاً في المناطق التي يحددها الوزير بأن يوفر لعماله وسائل الانتقال المناسبة وأن يوفر لهم المساكن الملائمة والوجبات الغذائية ومياه الشرب في أماكن يعدها لهذا الغرض قريبة من متناول العمال".
ترى هل مساكن كثير من العمالة الوافدة مناسبة بالفعل للسكن الآدمي؟! وهل تتوافر فيها أدنى مقوّمات الأمان؟! وهل يمكن أن نطلق على علب الألمنيوم أو الخشب التي نراها متناثرة هنا وهناك ويتكدّس بداخلها العشرات من هؤلاء العمّال في ظروف بيئيّة ومناخيّة قاسية أحياناً مصطلح "المسكن الملائم"؟!!
(4)
تنص المادّة (68) من قانون العمل العماني على أنّه " لا يجوز تشغيل العامل أكثر من تسع ساعات في اليوم الواحد وبحد أقصى 45 ساعة عمل في الأسبوع على أن تتخللها على الأقل نصف ساعة لتناول الطعام والراحة.." كما تشير المادة (71) إلى أنّ "على صاحب العمل أن يمنح العامل راحة أسبوعية لا تقل عن يومين متتالين بعد خمسة أيام عمل متصلة..".
ترى هل هناك تطبيق حقيقي لبنود هاتين المادّتين؟! وهل يلتزم أغلب أصحاب العمل بها؟! إذاً ماذا عن آلاف العمّال البسطاء الذين نراهم يعملون منذ بزوغ أوّل شعاع للشمس، وحتّى وقت متأخّر من الظّهيرة! وماذا عمّن يعمل يومي الإجازة الاسبوعيّة وفي أيّام كثير من الإجازات الأخرى! وهل تكفي نصف ساعة في اليوم الواحد لعامل بناء يقضي ما يقارب من 8-10ساعات يوميّاً في ظروف عمل صعبة وشاقّة!!
كنت أودّ كذلك أن تضاف مادّة إلى القانون تحدّد الأوقات التي يحظر فيها العمل، فلا يعقل بتاتاً السماح لعامل أيّاً كان جنسه، وأيّاً كانت ظروفه واحتياجاته العمل مثلاً في درجة حرارة تقترب من الخمسين كما نرى من شواهد عديدة كل ظهيرة لمجرّد أنّ صاحب العمل لا يشعر بإنسانيّة هؤلاء، أو لمجرّد أنّه دخيل على بيئة العمل، أو لأنّه يرغب في تحقيق أكبر قدر من المكاسب ولو على حساب المبادئ!
(5)
تنصّ المادة (108) من قانون العمل العماني على أنّه "للعمال أن يشكّلوا فيما بينهم نقابات عماليّة تهدف إلى رعاية مصالحهم والدفاع عن حقوقهم وتحسين حالتهم المادّيّة والاجتماعيّة وتمثيلهم في جميع الأمور المتعلقة بشؤونهم".
ترى هل ينطبق هذا الأمر على كافّة الفئات العاملة أم أنّها قاصرة على العمّال المنضوين تحت مؤسّسات وقطاعات معيّنة؟! وهل تدرك كثير من هذه الفئات وبالأخص أصحاب الحرف اليدويّة التقليديّة مثلاً كالمزارعين، والصيّادين، وغيرها من الحرف المختلفة أهميّة وجود مثل هذه النقابات والاتّحادات؟! وهل هم بالفعل يعرفون عن وجودها ويلجأون إليها في حل الإشكالات التي تواجههم أم أنّهم لا يعدّون من فئة العمّال كتصنيف قانوني! وهل هذه النقابات أو الاتحادات تشمل كذلك العمالة الوافدة في المهن المختلفة، وبالأخص المهن اليدويّة والشاقّة والتي يعاني العاملون بها تحدّيات كثيرة تتعلّق بالأجور، ومواعيد العمل والراحة، ومدى توفير البيئة المناسبة للعمل!
وفي الوقت ذاته هل تسعى هذه الاتّحادات إلى الوصول لهذه الفئات من العمّال عمانيّين كانوا أم وافدين للتعريف بالخدمات التي تقدّمها، ولإيجاد قنوات تواصل بين الطرفين، ولتقديم الدعم القانوني والاجتماعي المتمثّل في التبصير بالحقوق والواجبات، والدفاع عن حقوقهم المشروعة، والسعي لتوسعة مظلّة التأمينات الاجتماعيّة التي قد تعدّ من أبرز التحدّيات التي تواجه كثير من الحرفيين العمانيّين، والتي قد تجعل كثير من الشباب يتركون حرفهم التي تربوا عليها وتشرّبوها منذ الصغر بحثاً عن فرص عمل أخرى قد توفّر لهم بعض الأمان المستقبليّ الذي ينشدونه، أم أنّ كلّ نقابة مختصّة بشئون عمّالها فقط؟!
ما سبق مجرّد تساؤلات بقصد المعرفة وتسليط الضوء على قضايا عمّاليّة أكثر لا لمجرّد الاتّهام أو الاستنكار.
(6)
في كثير من البلاد المتقدّمة اقتصاديّاً تعد فئة العمّال من الفئات المجتمعيّة التي تحظى بوضع اقتصاديّ واجتماعيّ جيّد يتمثّل ذلك في العديد من المزايا كالتأمينات المختلفة، والأجور العالية، والنقابات الممثّلة، لذا تجد أن العامل لا يختلف كثيراً عن غيره من الفئات الأخرى في مستوى الدخل، أو الحصول على الحقوق الوظيفيّة المختلفة.
اذا ما استثنينا العاملين في المؤسّسات الكبيرة كشركات النفط والغاز، وقطاعات البنوك، والاتصالات لدينا، وغيرها من القطاعات المشابهة، فماذا عن وضع بقيّة العمّال، وكيف سيواجهون التحدّيات الاقتصاديّة المستقبليّة في ظل اتّجاه الحكومة لتحرير دعم بعض القطاعات، والتوجّه إلى تطبيق أو رفع رسوم العديد من الخدمات؟!
وهل يمكن أن نشهد اتجاهاً موازياً يتمثّل في دفع ضرائب ورسوم على ما ينتجه أو يقدّمه أولئك العمّال في مختلف مجالات عملهم أسوة بنظرائهم في تلك الدول، ورغبة في تحقيق شيء من التوازن المعيشي في ظلّ تغيّر الظروف الاقتصاديّة المستقبليّة؟!